بعد 109 أعوام على تشييده دبت الحياة من جديد في قصر البارون إمبان، الذي كان أول بناء يعلو في ضاحية (هليوبليس) أو ما عُرف لاحقاً بحي «مصر الجديدة» الراقي في القاهرة، وذلك بعد خضوعه لعملية ترميم عصرية شاملة أعادت له رونقه وسحره.
وبينما ظل القصر مهملاً لعقود بدأ الزائرون في التوافد عليه اليوم لرؤيته من الداخل والتعرف أكثر إلى حكايات ساكنيه والتحقق من بعض الحكايات الغامضة التي دارت حوله.
تعود ملكية القصر الذي بدأ تشييده في 1907 وانتهى العمل فيه عام 1911 لرجل الصناعة البلجيكي إدوارد إمبان (1852-1929) الذي أقام العديد من المشاريع المهمة في أنحاء العالم وتحول اهتمامه نحو مصر نهاية القرن التاسع عشر.
وكان البارون إمبان حصل على امتياز من الحكومة المصرية لإنشاء ضاحية هليوبليس واشترى 6 آلاف فدان لإقامة مشروعه الجديد الذي شاركه فيه بوغوص نوبار ابن رئيس وزراء مصر نوبار باشا.
أقام القصر في قلب الضاحية الجديدة وصممه له المهندس الفرنسي ألكسندر مارسيل فكان من أوائل المباني التي شيدت باستخدام الخرسانة المسلحة في مصر، ويتكون من قبو وطابقين فوق الأرض وتزينه تماثيل وزخارف مستوحاة من الحضارة الهندية وبعض التماثيل الإغريقية.
وبعد وفاته ظلت روح البارون إمبان معلقة بالقصر إذ أوصى بدفنه في كنيسة البازيليك الواقعة على بعد كلم واحد فقط، ومن بعده دفن أيضاً ابنه جان في الكنيسة ذاتها عام 1946.
ظل القصر في حوزة ورثة البارون إمبان حتى خمسينيات القرن الماضي حين طرح للبيع بالمزاد العلني بجميع محتوياته، وفي عام 2005 عوضت وزارة الإسكان ملاك القصر بأرض في القاهرة الجديدة وآلت مسؤوليته في 2007 إلى المجلس الأعلى للآثار.
وفي منتصف 2017 بدأ مشروع ضخم لترميم القصر وإعادته لسابق هيئته بهدف الحفاظ عليه كأثر مميز مر عليه أكثر من 100 عام وكذلك إتاحته للزيارة كمعلم ثقافي وسياحي.
وقال الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار مصطفى وزيري إن تكلفة الترميم بلغت 175 مليون جنيه، بالتعاون مع سفارة بلجيكا في القاهرة وشركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير ومكتبة الإسكندرية وجمعية مصر الجديدة الأهلية، وتنفيذ شركة المقاولون العرب والهيئة الهندسية للقوات المسلحة.
وأضاف أن أعمال الترميم شملت معالجة الألواح الخرسانية المسلحة بأسقف القصر وتنظيفها من الصدأ، ومعالجة الشروخ في الجدران عن طريق الحقن، ونزع أرضية الفسيفساء من السطح ومعالجتها في المعامل ثم إعادة تركيبها، واستكمال الأجزاء المفقودة من الزخارف الجصية، وإزالة طبقات الطلاء الحديثة والغبار والاتساخات إضافة إلى تركيب أسلاك كهربائية جديدة.
ولازمت القصر منذ إنشائه بعض الحكايات والقصص غير الحقيقية بسبب الزخارف الفريدة التي تزينه وكانت غير مألوفة في مصر وقت تشييده، من بينها أن برج القصر يدور 360 درجة بغرض تقديم عرض بانورامي من جميع الاتجاهات، وكذلك أن المبنى بكامله يلف في اتجاه دوران الشمس، بينما راجت شائعات بأن المهندس الذي شيده استعان بالحيل السحرية لإنهاء العمل نظراً لإقامته على الطراز المعماري الهندي.
ومن بين الحكايات التي تداولها سكان حي مصر الجديدة لعقود وجود ممرات وأنفاق سرية تحت القصر، منها ممر يربطه بكنيسة البازيليك المدفون بها البارون إمبان، لكن وزارة السياحة والآثار فندت كل هذه الشائعات والحكايات في لوحة كبيرة بصدر الدور الأول للقصر.