قد يقوم البعض بالمغامرة عن قصد، كمن يغامر مضطراً لأنه لا يملك خياراً آخر، أو أن المتعة ولا شيء آخر سبب للمغامرة، ولكن هناك مغامرات يقوم بها الشخص ليس مضطراً لها ولا دافعه الاستمتاع ولكن الجهل هو الذي حمله على القيام بعمل ما، دون أن يُدرك بأن ما قام به مغامرة.
فبعض الأقلام تملك فائضاً من الحبر تستطيع أن تسبق في استشرافها للمستقبل نتائج الأحداث وأن تضع تصوراً للوقائع قبل حدوثها لدرجة يعتقد القارئ أن الكاتب يغامر بمصداقية قلمه نتيجة ما يصف ويحلل، بينما لا يعتبرها الكاتب مغامرة لتمكنه بحكم تخصصه أو خبراته التراكمية.
أما المغامرات التي تبنى على الجهل فقد يقع فيها أي كاتب إذا خاض في أمر دون أن يلم بجميع جوانبه ما لم يشِر ويحدد بأنه يتناول زاوية أو جزءاً من الموضوع، وتظهر المغامرات الكتابية جلية عندما يقتحم كاتب بقلمه مسلَّمات وثوابت البيئة التي يخاطبها وهو يجهل التوقيت المناسب كما أن جهله يفوت عليه التسلح بالعبارات والمرادفات التي تحميه عند ردة الفعل القاسية على ما كتبه.
الكاتب يغامر إذا رهن قلمه في ظروف معينة تزلفاً وتقرباً لتحقيق مصالح ومآرب شخصية لدى الآخرين.
والمغامرة في الكتابة قد تحضر عندما تتم الكتابة حول أحداث ما زالت مشتعلة ووقائعها متتابعة دون أن يحيط الكاتب بجميع جوانب الموضوع ليكتشف بعد أن تهدأ عواصف الأحداث أن ما كان يكتبه مجموعة من الأمنيات وليس وصف أو تحليل للأحداث ولكنه غامر بقلمه عندما قدم نفسه كمحلل أو خبير فيما كان يجهله.
كما أن الكاتب يغامر إذا رهن قلمه في ظروف معينة تزلفاً وتقرباً لتحقيق مصالح ومآرب شخصية لدى الآخرين وكتب بعكس ما آلت إليه الأمور ليكتشف أن جهله في تقدير ذكاء القارئ بما فيهم من داهنهم أفقد قلمه مصداقيته.
والأقلام المغامرة ليست وليدة عصرنا الحاضر وليست حكرًا على أمة أو عرق أو معتقد فهي موجودة في كل زمان ومكان، ومنها من حاولت التغيير ورميت بالزندقة وقضي عليها في مهدها، ومنها من فتنت الناس وأخرجتهم من النور إلى الظلام، ومنها من نجحت في مغامرتها واستطاعت أن تكون لنفسها قراء آمنوا بما جاءت به، كما أن الأقلام المغامرة لا يمكن السيطرة عليها دائماً ما بقيت قطرة من مياه الحبر، فأحياناً قد تصيب وتلد منظاراً جديداً تزيل به الغشاوة عما كان يعتقد البعض أنها ثوابت ومسلمات لا يمكن تغييرها، أو قد ترجع خائبة وهي تجر ذيل الفشل وتزيد تلك الثوابت والمسلمات قوة.