هل تعرفون ما هو الهدف العكسي في عالم كرة القدم؟ هو بكل بساطة أن يسجل اللاعب هدفاً في مرمى فريقه عن طريق الخطأ، دون أن تكون لديه نوايا متعمدة لـ«هزيمة الذات»، هذا ما يحدث الآن في ردة الفعل العربية تجاه احتفال صلاح بالكريسماس مع عائلته، فقد كان التعليق الذي يقول «أنت لا تستحق أن تحمل اسم محمد» أبسطها وأقلها حدة من المعسكر السوشيلاوي التكفيري، الذي يستغل «تريند صلاح» وشهرته ومكانته لكي يبث رسالته المسمومة، أما عن أعنفها، فحدث ولا حرج.
لا أريد الخوض في تفاصيل تتعلق بالفتوى الدينية احتفال المسلمين بالكريسماس، وغيرها من المناسبات التي تخص عقائد وديانات أخرى، فقد تجاوزنا هذا الجدل منذ سنوات، أو هكذا «أتخيل»، ولكنني هنا بصدد الحديث عن نقطتين لا أكثر، أما الأولى فهي تتعلق بنا جميعاً، حيث الاحتفال المباشر أو غير المباشر بالكريسماس ورأس السنة الميلادية، حيث نتمنى بعض الأمنيات للعام الجديد، ونتشارك معاً هذه الأمنيات، ونرى شجرة الكريسماس في كل مكان، ويحرص غالبيتنا على التقاط الصور بجوار هذه الشجرة، فهل هناك بعد ديني يجعلني أفكر في أنني خارج ملة الإسلام لمجرد أنني فعلت ذلك؟
بالطبع لا، الكريسماس بالنسبة لنا في المنطقة العربية «عيد اجتماعي»، وهو مفهوم يتجاوز الجانب العقائدي، وأنا هنا لا أتحدث عن حرص قيادتنا السياسية والدينية على تهنئة العالم بالكريسماس ورأس السنة الميلادية، وحرصنا نحن كأفراد على التواصل مع الأصدقاء المسيحيين لتهنئتهم بهذه المناسبات، وهم يفعلون ذلك معنا في الأعياد الإسلامية، وفي الجانبين تتخذ هذه الأعياد بعداً اجتماعياً، يجعلنا نتجاوز تفكير من يرون الأمر يتجاوز هذه الدائرة.
النقطة الثانية هي «الهدف العكسي» الذي سجله بعض أبناء منطقتنا العربية فينا، فقد أخذت الصحف والمواقع وحسابات السوشيال ميديا العالمية ردة فعل هؤلاء، وهي ردة الفعل التي بلغت حد التكفير المباشر والصريح لصلاح لأنه يضع شجرة كريسماس في منزله، وتتناول الإعلام العالمي ذلك وسط تساؤلات عن هذه الموجة التي تبث الكراهية، وتذهب بعيداً في تطرفها، الأمر الذي يهدد بصورة جادة مكتسباتنا من ترسيخ مفاهيم التسامح والتقارب مع العالم، والاحترام المتبادل الذي يجعلنا نتمسك بهويتنا، وفي نفس الوقت نتعيش مع العالم، وهي معادلة لا تحمل أدنى درجات التناقض.
كما أن صلاح الذي قالت عنه دراسات أكاديمية إنجليزية وأمريكية إنه باحترافيته ومهارته واندماجه مع المجتمع الغربي وفي نفس الوقت تمسكه بهويته العربية والإسلامية يقلل من ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، أصبح وكأن جهده وتأثيره وبصمته في تقديم صورة جيدة عنا في مهب الريح، كل ذلك حدث لمجرد أنه وضع في منزله شجرة كريسماس، وهنا سؤال لا أدري كيف لم يفكر فيه التكفيريون، هل يمكن القول إن صلاح الذي يسجد شكراً لله بعد كل هدف، في مشهد يكرس الصورة الذهنية الجميلة للإسلام والمسلمين أمام العالم، هل يمكن القول إنه خرج عن الملة بسبب هذه الشجرة؟
كاتب مصري