بجدارة واستحقاق فاز منتخب الجزائر ببطولة كأس العرب بالدوحة بعد تغلبه على نظيره التونسي بهدفين، في مباراة نهائية مشحونة بالإثارة والندية والزخم الجماهيري وحماس اللاعبين وكفاحهم حتى الثواني الأخيرة وبعد وقت إضافي لحسم التعادل الذي استمر حتى نهاية الوقت الأصلي.
المستوى الفني المتميز، وروح الكفاح من اللاعبين والمساندة الجماهيرية من جماهير الفريقين، كانت ترجمة للنجاح الكبير الذي حققته البطولة، وهي أول بطولة عربية تقام باعتماد واعتراف بل وبرعاية «الفيفا» في التاريخ. ورغم انطلاق كأس العرب منذ 58 عاماً وبالتحديد عام 1963، فإنها لم تحظ أبداً باعتراف «الفيفا» أو أدنى اهتمام من مسؤوليه، ولكن سبحان مغير الأحوال، أقيمت النسخة العاشرة من كأس العرب باقتراح من «الفيفا»، بل وبدعمه ورعايته وإشرافه المباشر لدرجة أن يصبح اسم البطولة الرسمي «كأس الفيفا للعرب».
ورغم صبغة «الفيفا» الرسمية على البطولة، فإنها بشكل عملي، لم يتم اعتبارها بطولة رسمية تجبر الأندية الأوروبية على إرسال لاعبيها المحترفين العرب للمشاركة مع منتخباتهم العربية، ولم يتم إلزام الاتحادات بمشاركة الصف الأول وليس «الرديف»، أو المنتخب الأولمبي، كما لم يتم الاعتراف بتأثير نتائج مبارياتها على نقاط تصنيف «الفيفا» الرسمي للمنتخبات، ومع ذلك فإن بصمة «الفيفا» وإشرافه المباشر ومشاركة اللجنة المنظمة من قبل «الفيفا» مع اللجنة المنظمة المحلية، والجوائز المالية الضخمة المخصصة للمشاركين وأصحاب المراكز الأولى، والتي تجاوزت 20 مليون دولار، بحد أدنى نصف مليون دولار للثمانية الأواخر، وصولاً لخمسة ملايين للفائز باللقب، أسهمت في منح البطولة أجواءً مونديالية ونجاحاً على مختلف الأصعدة.
كما حققت البطولة الهدف الأهم لها، بتوفير «بروفة» نهائية، لتنظيم قطر لمونديال 2022، باختبار الملاعب الجديدة واللجان المنظمة لمحاكاة ظروف وآليات التنظيم والنقل والإعاشة والبث التلفزيوني وغيرها من الأمور، وتوفير بديل، عوضاً عن عدم تنظيم قطر بطولة كأس العالم للقارات التي كانت تقام بانتظام طوال السنوات الماضية، وكانت تعتبر بمثابة بروفة نهائية للدولة المنظمة للمونديال، ولكن تم إلغاؤها من «الفيفا».
والأهم من ذلك من وجهة نظري، أن الأجواء المونديالية الحقيقية التي شهدتها البطولة، أبرزت روح التآخي والوحدة العربية بين الجاليات والمنتخبات العربية، وقدمت صورة مثالية عن القيم والمشاعر العربية بين أبناء الشعوب العربية، التي لا توجد منطقة في العالم تحمل نفس سماتها وروابطها في التاريخ واللغة والدين والعادات والتقاليد واختلاط الأنساب والمصير المشترك.
أما عن الدروس والتجارب والفوائد الفنية التي خرجت بها المنتخبات المشاركة، فقد عمرت البطولة بها، واختلف الأمر من منتخب لآخر حسب مستوى مشاركته. وبعيداً عن النتائج وبعض المفارقات، فالعديد من المنتخبات حصلت على الكثير من الصقل والتجانس واكتشاف بعض الثغرات والسلبيات، وظهور بعض العناصر الدولية الواعدة من اللاعبين الجدد، ومنها منتخبات مصر والإمارات والأردن وتونس والجزائر وقطر، وهناك منتخبات اكتشفت العديد من أوجه القصور التي تحتاج لتعديلات فورية مثل سوريا والعراق.
وختاماً، فأرجو أن يصدق جياني إنفانتينو رئيس «الفيفا» في الوعد الذي أطلقه بالأمس، بأن «الفيفا» سوف يواصل إقامة البطولة بشكل منتظم تحت مظلته، وسوف يدرس آلية تحقيق ذلك مستقبلاً وبشكل مستمر.. وأقول أفلح إنفانتينو إن صدق.