الجمعة - 27 ديسمبر 2024
الجمعة - 27 ديسمبر 2024

عزيزتي الـATM

ذات مرة ذكر أحد الأطباء النفسيين مقولة شهيرة في التنمية البشرية، حيث قال: (إنه من الطبيعي جداً أن تتحدث مع خزانة الملابس بصوت عالٍ، وأن تحاورها لتخرج ما في نفسك، لكن إذا ردّت عليك الخزانة فأنا أنتظرك في عيادتي)

هذا ما حدث حينما انفردت بإحدى ماكينات الـATM في كشك مغلق وحدنا لا ثالث بيننا، لأبوح لها بكل مكنوناتي، كونها مصدر سعادتي آخر كل شهر، بصوتها العذب حين تخرج النقود أو برسائلها اللطيفة حين تداعبني وتحنو علي وتقول: اسحب البطاقة وانتظر النقود!

متناسياً أوقاتاً أخرى تقسو فيها علي وتوبخني برسائل عنيفة حين تقول: الرصيد غير كافٍ.. أو لا يمكن إتمام العملية لأنه حدث خطأ من النوع 146 ax وبغض النظر عن مدى صدق هذا الخطأ الكودي، فأنت لا تشعر حياله إلا بالغبن والحزن والغدر من محبوبتك أو تقلباتها المزاجية، فما هو هذا الخطأ 146 ax كي يحرمني لذة سماع صوت النقود وهي تتدحرج خارج الماكينة؟

دخلت ذلك الكشك المغلق وأدخلت البطاقة وبدأ خيالي يسافر في هذه الرسالة التخيلية:

عزيزتي الـATM.. صباح الخير...

فضلاً لا تحرميني من مجرد الوقوف بجانبك، فأنا بصراحة أبحث عن حجة للتعامل معك، حتى لو كنت غير واثق من إتمام معاملتي، لكن جاذبيتك وارتباطك بذلك اليوم المبهج الجميل (يوم الراتب)، يجعلني أتحمل في سبيل لقائك أطول طوابير المتعاملين.

وأعرف أنك تعانين كثيراً من سخافات وإلحاح أولئك المتعاملين الذين يصرون على الخروج من مقابلتك بأي مكاسب، حتى لو كان بيان حالة الحساب، ويقفون أمامك بالربع ساعة تاركين خلفهم طابوراً طويلاً، ويعيدون ويزيدون المحاولات مراراً وتكراراً مهما عاتبهم من خلفهم، أولئك الذين تخرجين لهم البطاقة فيعيدون إدخالها مجدداً، مصرين على إتمام العملية وإخراج النقود مهما تعددت المحاولات.

لست منهم صدقيني، فأنا بعد يوم 15 من كل شهر أسحب بالعشرات لا بالمئات، وأشتري بالبطاقة كل شيء حتى وقود سيارتي، وكغيري تؤذيني تلك الرسالة البنكية المؤلمة التي تخبرني بمقدار نقصان الراتب والعد التنازلي له حتى ينتحر قبل موعد القبض بأربعة أيام في أفضل الظروف.

أيتها الماكينة الحنونة.. يؤسفني أنني آتيكِ ساحباً لا مودعاً، عدا يوم واحد عندما يتم سحب شيك قسط الإيجار للشقة، حينئذ أختار خانة الإيداع بكل فخر، رغم تحكمك واشتراطاتك أن تكون النقود مفرودة وسليمة ومعقمة.

وتأكدي عزيزتي الـATM أن للسحب النقدي أصولاً وقواعد قد أخالفها وألجأ للسحب الخطر من (الكريديت كارد) فلا تلوميني وقتها، فأنتِ في النهاية آلة رأسمالية باردة تعطي لكن بحسابات، تمنح لكن بشروط.