الاحتفاء بمولد النبي عليه الصلاة والسلام هو احتفاء بسيرته، وهو تطبيق عملي لنهج المحبة، يوم مولده منعطف تاريخي لكل مسلم، فقد بدأت قصة خلاص البشرية من ظلام الكفر والشرك، وهو رحمة للعالمين.. حريص علينا أن نهتدي، وبالمؤمنين رؤف رحيم.
قبل بزوغ فجر الإسلام، كانت النشأة الأولى «للمديح النبوي»، وإذا تتبعنا تاريخ هذا المديح لوجدنا أهمه ما قاله عبدالمطلب بن هاشم، جد النبي الأكرم، إبان ولادة محمد صلى الله عليه وسلم:
وأنت لما ولدت أشرقت
الأرض وضاءت بنورك الأفق
فنحن في ذلك الضياء وفي
النور وسبل الرشاد نختــرق
وها هو أبو طالب بن عبدالمطلب يمدح النبي (ص) في صغره، عندما استسقى في أيام القحط بمكة.
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم
فهم عنده في نعمة وفواضل
كما استمر في المديح بشمائله وهو حي عليه الصلاة والسلام، شعراء الفصاحة والبلاغة مثل «حسان بن ثابت» و«كعب بن مالك» و«كعب بن زهير» و«عبدالله بن رواحة»، فقد كانوا يكتبون الشعر فيه، فكان هذا فناً من فنون المحبة والشوق، والشغف بمدح خصائصه وخصائله.
طريقة إظهار المحبة إما بالشعر أو التماس التذكير بنهجه أو الاحتفال به وإظهار البهجة أو بقراءة شمائله إجمالاً، لا تشوبه بدعة أو يُلتمس بقربه معصية، لأنها تُعبر عن المحبة له، كما أن محبته أصل من أصول الإيمان، وقال «ص»: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أجمعين»، فمحبته تضرب أطنابها قلوب المؤمنين، والتعبير عنها لها عدة طرائق.
استشعار الاحتفاء بالمولد رسالة ذات مغزى تربوي وأخلاقي وروحي، وذلك بقراءة السيرة وأشعار المديح ومدارستها من باب الأسوة الحسنة، وأحوج ما نكون إلى هديه في هذا العصر الذي كثر فيه التطرف والتكفير، وتم اختطاف الدين، ولا طريق إلى الخلاص إلا باتباع «نهج المحبة» التي تلطف الأجواء وتبعث الروحانية، وتعزز من أدبيات التدين الصحيح.
فحياته إسوة والتأصيل لمحبة الرسول عليه الصلاة والسلام واجب شرعي، وإظهار الوقار لقدره نابع من الإيمان.