بين فترة وأخرى يحتاج الإنسان إلى التأمل ملياً في الكون الذي حوله، وفي نفسه وسط هذا الكون الفسيح، ويحتاج إذا كان جاداً في هذا التأمل إلى أن يستعين ببعض المنشطات على ذلك، من مثل تدبر قوله سبحانه وتعالى، في الآيتين الكريمتين 38 و39 من سورة الدخان: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾، والحق هنا، هو مجموع ما يشمله كون الله، عز وجل، من صفات ومواصفات، لن تفيد إلا من مكنه ربه من حسن النظر، وقوة الاتعاظ..
المتأمل الحقيقي، سيعلم يقيناً أن الله في جلاله وكماله، لا يقضي أمراً إلا وهو كامل التناسق والجمال، لأنّه هو الله، خالق الكون؛ الذي أبدع كل شيء خلقه وأوجده؛ فكل عنصر من عناصر البيئة يتفاعل ويتكامل بنظيره وِفق تناسق سنن الله في الكون؛ ويتضح هذا التناسق من خلال اعتماد الأشياء على بعضها، فالنبات يعتمد على الشمس، والحيوان يعتمد على النبات؛ والإنسان يعتمد بعضه على بعض، فالقلب يعتمد على الرئتين، والأطراف تعتمد على الشرايين والأوردة، وهكذا حتى يصل الإنسان إلى قناعة تامة بأن التوازي بين الإنسان والكون أمر متأكد، ويراه صاحب القلب السليم في كل ما في العالم من حوله..
من أهم ما يحتاج أن ينظر الإنسان فيه من مواضيع؛ موضوع «العدالة الاقتصادية»، وأعني به هنا معرفة أن الإنسان مستخلف في مكتسباته، وهذا لا يتعلق برد أموال الأغنياء على الفقراء، أو تحميل الفقراء والمساكين على كاهل الأغنياء والموسرين، لأن مجتمعاتنا المطلوب منها ألا تكون مجتمعات عاطلين أو متواكلين، وإنما مجتمعات تفهم الطبيعة الشمولية للدين، وتفهم ضبط سلوكياتها المختلفة، من مثل عدم الإسراف على النفس، مع تنمية اليقظة والوعي بسلبيات التبذير في الاحتياجات، وضرورة أن تفهم وظيفة المال..
واضح تماماً، أن النمط الغالب على الاقتصاد في عصرنا هو النزعة الفردانية Individualisme، وهو الذي يتميز بجنوح الفرد إلى الأنانية، وزادت من همومه الخاصة، وانطوائه على نفسه، وجعلته إنساناً لا يؤمن إلا بمعادلة المنفعة، وأغفلت عنه لذة العطاء، وغيب عنه أن الفلسفة الإسلامية المالية تقوم على لزوم تدوير الأموال وعدم تكدسها في مورد واحد، مع المحافظة على اقتصاد ديناميكي متوازن، يقوم مع تدوير الأموال، بتوزيعها توزيعاً يضمن توفير حصانة اجتماعية، وكرامة إنسانية لكل الطبقات في المجتمع.