لا شك أن عالم الدين يقف فاعلاً في التغيير إلى جانب غيره من الفاعلين، ومن أبرز مهامه تذكيره من حوله بمعنى الحياة، وبدور مكارم الأخلاق، وكيفية الوصول إلى مرضاة الخالق، سبحانه وتعالى.
لا يعني كلامي السابق عدم حاجة العلماء إلى البحث عن الحق، والاهتمام بعدم الوقوع في الباطل؛ فهم أولى بذلك، ومن هذا اللازم عليهم استعمال الوازع القرآني والنبوي في مخاطبة الناس، وبما يُنمي فيهم روح العطاء، ويحقق الطمأنينة في نفوسهم، ويبعدهم عن الوقوع في التعقيد، أو في التطرف، أو في مشكلات التنازل عن الهوية العامة والخاصة.
لعل من أهم ما ينبغي أن يلتزم به العلماء كذلك؛ توعية الناس بأن المخالفات في الفرعيات والجزئيات الدينية ليست لها من أهمية دينية، بقدر ما لها من خطورة اجتماعية وغيرها، فغير مهم أن يختلف الناس في قراءة البسملة قبل الفاتحة في الصلاة، وقراءة الفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية، وقبض اليدين فيها، ووضع اليدين بعد الركوع، والنزول على الركبتين أم على اليدين في السجود، والخروج من الصلاة بتسليمتين، وفي قراءة القرآن أو الأذكار جماعة، وفي الاحتفاء بمناسبة ذكرى المولد النبوي، وفي زيارة النساء للمقابر وغير ذلك؛ خاصة وأن القيام بتضخيم هذه الحريات ليس من ورائه إلا التشويش على وعي النشء، وإفساد صفاء قلوبهم.
الذنوب، وهي ذنوب؛ لا تخرج الإنسان عن دينه، ولا تقصيه عن رحمة خالقه، والناس في هذا تبع لقول خالقهم عز وجل، في الآية 32، من سورة «فاطر»: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِير}، ومن الآية تتجلى أهمية الرفق بالناس، وعدم التكبر عليهم، وأهمية حسن الظن بهم، وتوجيههم بالحسنى عند التعامل مع الجاهلين والمبطلين والفتانين، وأهمية استيعاب القاعدة الشهيرة «عدم الإنكار في المختلف فيه».
عن القاعدة المتقدمة، أختم بأن الخلاف نوعان: خلاف سائغ معتبر، وخلاف غير سائغ وغير معتبر، فما لا دليل عليه من القرآن الكريم أو الأحاديث الشريفة، أو كانت أدلته متكافئة، ويتعذر الجزم بصواب أحدها؛ فهذه من مسائل الخلاف المعتبر والسائغ، وتعد من المسائل الاجتهادية، أما المسائل الخلافية خلافاً غير معتبر ولا سائغ، فهذه وإن كانت تعد ولا تحصى، فإنه لا يصح أن يقال في حقها: «المسألة فيها خلاف».