في صيف عام 2004، كنت على وشك الانتهاء من المرحلة الأخيرة في دراستي الثانوية، دخلت مرحلة المراجعة التي تسبق الامتحانات بـ40 يوماً، وهي المرحلة التي تعد بالنسبة لطالب البكالوريا بمثابة معركة مصيرية يقاوم من خلالها الحياة بمجملها.
وفي خضم هذا الصراع يشتد توتر الإنسان حتى أقصاه؛ يخرج الطالب منهكاً من تجربة قاسية مع شد الأعصاب ورفع سقف آماله.. شخصياً كنت مسترخية كعادتي، فبإمكاني أن أجلس بهدوء وأحتسي كوباً من الشاي بينما يتهدم العالم من أمامي.
هكذا كنت في مرحلة المراجعة، أستيقظ في الساعة الخامسة فجراً، أعدُّ كوباً ساخناً من الحليب، ثم أدور شريط الكاسيت من أغاني متفرقة وخفيفة.. أرتب أقلامي الملونة والملصقات، وأراقب اختراق ضوء الشمس لبخار المشروب الساخن ثم أبدأ المراجعة.
لم تكن هذه الطقوس الصباحية إلا رسالة ضمنية أمررها إلى نفسي «أن مصارعة الأشياء تخلق عنادها»، كنت ألاحظ الأهالي وهم يدخلون حالة من الإنذار الشامل حينَ يصل أحد أبنائها مرحلة البكالوريا، وكأنها عملية انسلاخ مصيري من الجسد القديم، يفتت الطالب سنة كاملة من حياته بالقلق من أجل أن يحظى بتخصص أكاديمي مرموق.
وبالرغم من ذلك، نشهد غالباً في نهاية العام انتصار «السلحفاة على الأرنب» بينما يردد المجتمع على مسامعنا قصته القديمة: بأن «البكالوريا لعبة حظ!»، غالباً ما يقع المجتهدون في مصيدة الصراع مع الوقت والمعلومة، وهو ما يجعل الأمور تبدو مستحيلة.
يقول الفيلسوف الألماني فريدرك نيتشه: «للطموح الكبير، الأرض أضيق ما تكون!»، ما يعني أن لا واقعة مكانية أو زمانية بإمكانها استيعاب الطموح الحقيقي، ليسَ هناك حدود واضحة لتحقق فكرة ما، فما إن وجدت فهي متحققة في جوهرها، إلا إنَ الوقت لم يواتها بعد.. الفكرة في كيفية الوصول إلى الهدف، فكلما صارع الإنسان بتوتر من أجل هدفه، سدد سهامه نحو الهدف نفسه.
ليسَ هناك أجمل من الشعور بالنجاح في هذه المرحلة، حيث إن الإنسان يرتبط عاطفيّاً بفكرة الفخر بنفسه، بينما تتباهى العائلة بفخر من أجل اعتبارات أخرى أمام مجتمعها المحيط، وهذه من الأوهام الجميلة التي سيظل يتذكرها الإنسان حتى آخر لحظة في حياته، لأنها تستجيب لبداية إدراكه لقدراته بمباركة من مجتمعه.
إنها لعبة الحظ فعلاً، فدائماً هناك أبناء خالة، يسبقوننا إلى الطب والهندسة ويسرقون الفرحة من أمهاتنا، بينما نحن نفكر في سحر الحياة الجامعيّة، وغموضها.