السبت - 23 نوفمبر 2024
السبت - 23 نوفمبر 2024

النزاهة الفكرية أشرف الغايات

دارسو الأديان يرون أن مسألة العلماء من أدق القضايا التي تهم المسلمين والناس أجمعين في الوقت الحاضر، إذ إن الأمة وفي مختلف الأزمنة اعتبرت علماءها عبر التاريخ مرجعاً في الدين، وخصوصاً بعد أن استجدت على الناس اليوم أمور كثيرة في التدابير المتعلقة بالمعيشة والثقافة والتعارف.

من أهم أسانيد تأصيل دور العلماء في السياسة الشرعية، حديث شريف صحيح، يقول فيه المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم: «يحمِلُ هذا العِلمَ من كلِّ خلَفٍ عدولُه؛ ينفونَ عنهُ تحريفَ الجاهِلينَ، وانتحالَ المبطلينَ، وتأويلَ الغالينَ»، رواه الإمام أحمد وغيره، وهو نص عظيم يعد من أعلام النبوة، ومن البشارات المستقبلية العظيمة، ولا أدل على ذلك من أن الخير باقٍ في هذه الأمة، ولن ينقطع، بفَضلِ عُلمائِها؛ طالما انشغلوا بتنقيح دينِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وكانوا سَببًا في حِفظِه ممَّا حرَّفَه الجهلة، ودَسَّه الكذبة والفجرة، وأهل التشدد والتطرف، وسواهم ممن حاول أن يقحم في دِينِ اللهِ ما ليس منه.

لا شك أن «حمل العلم» أمانة، وليس مجرد معرفة، ولا شك أنه لا يجوز ولا يحسن ترك الفراغ، لمن يحاول أن يفسد الدين في أي جيل من الأجيال، أو من يحاول أن يفسد على الناس حياتهم وعلاقاتهم مع خالقهم، سبحانه وتعالى، وهذا هو دور الصادقين من العلماء، الذين عليهم حماية الدين من الفرق التي تفسده؛ بالبرهان الذي يرشد العقل إلى الاعتدال، وعدم اللهث خلف المفسدين، الذين نسميهم اليوم بالمتطرفين، وخلف المبطلين، الذين لا هم لهم إلا إنكار عمل الأئمة السابقين في اجتهاداتهم واستنباطاتهم، وخلف الجاهلين، الذين لا يحملون القدر الكافي من علوم الدين، ولا يراعون سياق الأحكام ومقاصدها.

وصف حملة العلم بـ«العدول»، أي العدالة، نسميها اليوم «النزاهة الفكرية»، وهؤلاء هم الذين لا علاقة لهم بالأهواء، ولا بالانتماءات، ولا بالأحزاب، ولا بالتيارات المخالفة لثوابت الهوية الوطنية؛ العاشقة للفتن، والتي لا يمكن لها العيش دون أن تقتات عليها، منذ حدوث الاغتيالات الكبرى التي تعرض لها ثلاثة من الخلفاء الراشدين، ونشأ تبعاً لها التطرف السياسي في تاريخ الإسلام، الذي لبس فيه المتطرفون لباس القراءة المنحرفة للنصوص، ورددوا فيما رددوا، يوم موقعة «صفين»: «لا حكم إلا لله»، والمصاحف على رؤوس الرماح، فكشف نواياهم الخبيثة، سيدنا علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه قائلاً: «كلام حق أريد به باطل».