الاحد - 22 ديسمبر 2024
الاحد - 22 ديسمبر 2024

«القشة الذهبية».. علاقة سامَّة

في الحياة التي هي قصة صحبتنا مع الآخرين، يتورط البعض منا في كثير من العلاقات المتوهمة، مدفوعين بشعور غامض، هو مواصلة ارتباطهم بخيط أثيري يبقيهم على قيد الحياة، وهذه العلاقات، هي واحدة من أشد الحيل التي يسقط في شباكها الفرد المفرط في عاطفته.

ففي اللحظة التي تضعف فيها مناعته العاطفية، يصادف في طريقه شخصاً ما يلتمع مثل قشة من الذهب في الظلام، يحدث ارتباكاً مشوقاً في حياته، ويبعث فيه الآمال ليحرك المياه الراكدة لخياله وقدرته على بناء الأحلام المشتركة.

يندفع الأول بجنون نحو العالم المشوق الذي يمثله الثاني، وتنشط أوهامه التي تغذيها العاطفة بتشييد حياته على كونكريت فكرة وجوده في مستقبله، ثم شيئاً فشيئاً، يتلقَّى منه رسائل متناقضة، فكلما اشتد تعلق الأول به، تحول الآخر إلى ركام من اللامبالاة، وإذا حدث وحدس هذا الآخر فتوراً ما نحوه، فيبدأ بلعبة جديدة، تقوم على افتعال الأزمات، واختلاق المشكلات، والتشكيك في صدق مشاعره، ومن ثم التحول إلى لعب دور الضحية، وهكذا تبدأ الحياة تأخذ شكل صراع دائم.

في هذه المرحلة، يجد الإنسان نفسه مدمناً على نظام يومي مختلف ومعقد، يحكمه التعود والتكرار، والشد والجذب، وتبدأ أعراض العلاقة المرضية في الظهور، يجد فيها «المريض» نفسه متورطاً في علاقة سامة طويلة الأمد، علاقة بلا حب أو ود حقيقي، تعزله عن الواقع، وعن الأشخاص الذين يحتاج إليهم بصدق.

في عالم الرواية، يسمى هذا النوع من العلاقة: «التعلق بالآخر»، ويشير إلى علاقة عصابية لا تحكمها المشاعر الواضحة، بل تتغذى على تهشيم أحدهما للآخر.

وفي لغتنا العربية تأتي مفردة التعلق كثيراً بهذا المعنى، ونعتقد أنه نوع متقدم في الحب، وهو في الحقيقة، وفي كثير من جوانبه يحمل جينات معنى التورط.

أعرف أن من الصعب علينا، وفي مرحلة ما من حياتنا أن نتحكم جيداً بمشاعرنا، لكنني أعرف أيضاً أن الأوهام العاطفية، هي الحروب التي نندحر فيها ولا نبرأ من جراحها إلا بعد مرور وقت طويل نسبياً.

ثمة لحظة خاطفة وحاسمة تسبق فوات الأوان، علينا أن نواجه فيها مرآة أسرارنا العاطفية بكل وضوح.. أن نقول لها: حياتنا ليست مصحة نفسية لأولئك المصابين بهوس التقلبات.. أولئك الذين لا يعرفون جيداً الأرض التي يقفون عليها.. حياتنا ليست حقلاً للتجارب النووية العاطفية.

علينا أن نحدق ملياً في هذه المرآة، ثم نكسرها، لنبتسم فقط أمام المرايا الناصعة، التي تتضح معها معالمنا بينما يتفشّى النهار من حولنا.