الثلاثاء - 26 نوفمبر 2024
الثلاثاء - 26 نوفمبر 2024

أطفالنا صنيعة أيدينا

طفلي عصبي، خلقه ضيق، دائماً مكشر، ما عنده لعب ولا مزح، ما يسمع الكلام، لا يُحب المشاركة، وغيرها الكثير من المصطلحات التي نتفاخر بإطلاقها ونحن نضحك ونقهقه بسوالفنا الأسرية وحين نروي للآخرين سلوك أطفالنا، ونكررها تارةً تلو أخرى وأمامهم وعلى مسامعهم، لنؤصل فيهم تلك الطباع وذاك السلوك، الذي إن كبروا وشبّوا عليه بتنا نلطم ونتباكى لم رزقنا الله بذرية عابسة كئيبة مملة وجدية زيادة عن الحد، وتناسينا أن جزءاً لا بأس به وقد يكون أغلبه بسببنا نحن الذين ربيناهم على تلك الصفات عبر التفاخر بها والتندر، حتى تبنتها وتشبعتها عقول الصغار وتقمصتها لا إرادياً ورغبةً منهم أيضاً بالتحلي بما دأب والدوهم والمقربون منهم على وصفهم به، ليتحول التمثيل إلى طبع سيصعب فيما بعد التخلص منه، ويتحول لسمة لجيلٍ كامل تعقبه أجيال تتوارثه.

لمَ نحن عدائيون في وصفنا لأطفالنا دائماً؟، ولمَ نحرص على إلصاق صفات غير حميدةٍ بهم؟، ولمَ نسعد ونبتسم حين نرى غضباً طفولياً مصطنعاً على وجوههم؟، ولمَ لا نحرص على ثنيهم عن التحلي بتلك الهيئة الكئيبة التي نفرح لرؤيتهم بها؟، وليكن بدلاً من ذلك تشجيعهم على ألا تختفي الابتسامة عن وجوههم البريئة، وتعويدهم على المحبة والحنان والعاطفة التي يجب أن نحفزهم على إظهارها للآخرين وممارستها بشفافية وبراءة الطفولة، كي تتأصل بهم وتصبح في مراهقتهم وشبابهم طبعاً ينعكس عليهم ومن حولهم، فتكون المحصلة بيئةً خصبةً للاستمتاع بالحياة واحترام الآخرين، ما سيأخذنا لنكون شعوباً متحضرة إنسانية رفيعة الخلق وحسنة المعشر والجوار، بدل ما عُرف عنا وشاع من النقيض وهو حقيقة لا يُمكن إنكارها.