من أهم المهام المنوطة بكل واحد مستطيع؛ ترسيخ وعي حقيقي بالإشكالات البيئية، خاصة أن البعد البيئي حاضر بقوة في حياتنا المعاصرة، وهو ما يعني ضرورة اتخاذ مبادرات مختلفة في وجه التحديات البيئية.
واقع البيئة الكونية ومستقبلها، يشكل هاجساً مؤرقاً بالنسبة لمختلف الشعوب والدول، وناقوس الخطر ينذر بغد مليء بالقلق والتوجس، من معضلات بيئية مختلفة، كالانبعاث الحراري، وانقراض بعض الحيوانات، وندرة المياه، والتلوث، وغير ذلك مما يثار في المنتديات العلمية المختصة.
هذا وغيره، يوجب بيان اهتمام الدين بمجال البيئة، ومن يفتش سيجد في القرآن الكريم، والسنة النبوية المشرفة دعوات واضحة عن هذا الموضوع الحساس؛ كقوله تعالى، في سورة العنكبوت: {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق}، وهو توجيه رباني للسير والنظر في مختلف المشاهد الكونية، لأن ذلك سيقود لتقديرها، وتقدير صانعها، وحمايتها وصيانتها، ومن ذلك أيضاً قوله سبحانه في سورة الحجرـ: «وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ».
وقال الإمام الفخر الرازي في كتاب (مفاتيح الغيب): «الله سبحانه وتعالى قدرها على وجه مخصوص بقدرته وعلمه وحكمته، فكأنه تعالى وزنها بميزان الحكمة حتى حصلت هذه الأنواع»، والآيات في هذا الشأن كثيرة جداً، وجاءت في سياقها جملة من الأحاديث الشريفة، ومنها قوله صلوات الله وسلامه عليه، عن سيدنا أنس بن مالك: «ما مِن مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ منه طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ؛ إِلَّا كانَ له به صَدَقَةٌ»، أخرجه الإمامان البخاري ومسلم.
صاحب البصيرة يعلم أن سائر الملل والنحل أجمعت على المحافظة على مصالح الإنسان الضرورية، وهي مصالح الدين والنفس والعقل والعرض والمال، ولا شك أن صيانة المجال البيئي ضامن أساسي لتفعيل الحفاظ على هذه الضرورات، لأن الحفاظ على حرمة النفس والعرض لا يمكن أن يترسخ إلا داخل بيئة تتصف بالانضباط والصيانة، وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك، أن فقدان التوازن النفسي الشائع اليوم، يرجع فيما يرجع للتقلبات البيئية هنا وهناك.
أختم بأنموذج مهم ينبغي الاهتمام بوجوده، والاهتمام كذلك بصيانته، وهو ما يسمى في الكتب العتيقة «إنشاء الجِنان» ـــ الحدائق العامة ـــ داخل المدن ومحيطها، والتي تعتبر من المظاهر الجمالية التي ينبغي أن تزخر بها دولنا ومدننا وقرانا، لتكون فرصة لتمتع مرتاديها بمختلف الأشجار والنباتات والأزهار والورود، وفرصة لإحداث التوازن النفسي المنشود.