الجمعة - 22 نوفمبر 2024
الجمعة - 22 نوفمبر 2024

عام من العزلة

العزلة التي فرضها فيروس كورونا على المجتمعات البشرية ألحقت أضراراً فادحة بالناس جميعاً، والأطفال خصوصاً، نفسيّاً ومعنويّاً وثقافيّاً، والآن تخبرنا دراسة حديثة بأن قابلياتهم الكلامية والاستيعابية سوف تتدنَّى أيضاً.

أظهرت الدراسة التي أجرتها «مؤسسة العطاء التربوي»، والتي اعتمدت على بيانات وإحصاءات جُمعت من 50 ألف طفل بعمر 4 ـــ 5 سنوات، في 58 مدرسة ابتدائية في بريطانيا، أن جهوداً إضافية يجب أن تُبذَل لمساعدة التلاميذ على تطوير قابلياتهم اللغوية التي تدنت بسبب العزلة وعدم التواصل مع أقرانهم وأساتذتهم، ومع أجدادهم الذين يعلمونهم المهارات اللغوية وطريقة الكلام، وأوضحت أن ارتداء الكمامات قد ضاعف الإبهام عند الأطفال، وأضعف خبراتهم الحياتية.

ويرى 76% من الأساتذة والناظرين أن التلاميذ يحتاجون إلى مساعدات إضافية لتعزيز قابلياتهم التفاعلية، بينما أعرب 96% عن قلقهم من احتمال تدنّي مهارات التلاميذ اللغوية وقابلياتهم التعليمية، وعبَّر 56% من الآباء والأمهات عن قلقهم من تراجع قابليات أطفالهم التعليمية بسبب صعوبة الفهم وقلة التواصل.


ويقول علماء اللسانيات إن التطور المعرفي والقابلية للتواصل والفهم والحديث والإلقاء والتعلم يعتمدان على كثافة التفاعل مع الآخرين، وإن الإنسان يتعلم لغته ومهاراته الكلامية والتعبيرية والمعرفية عبر احتكاكه بالآخرين، لذلك فإن العزلة إضافة إلى أضرارها النفسية تؤثر على تطور الإنسان معرفياً، خصوصاً في المراحل المبكرة.


الإنسان يتعلم اللغة من «صيحات الطبيعة»، حسب جان جاك روسو، ويقول اللساني السويسري أوتو جِسبيرسِن: «إن اللغة حاجةٌ تعبيرية أكثر منها تفاعلية، وإن الحب هو أكبر حافز للتطور اللغوي»، لكن «حصار كورونا» حرم الأطفال من الحب والاحتكاك بالطبيعة، فلا لعبَ مع الأقران، ولا تعلُّمَ، ولا لقاءَ بالأجداد الذين يمنحونهم المحفز الأول للتطور، ألا وهو الحب.

البروفيسورة روبين لاكوف، درست لغة النساء، وقالت إنها تتسم بالأدب والعاطفة وتعكس التهميش الذي تعانيه المرأة، لكن وليام أوبار وبومان آتكينز اختبرا نظرية لاكوف في المحاكم، واكتشفا بأن اللغة التي وصفتها ليست لغة النساء، بل «لغة الضعفاء، نساءً ورجالاً»!

تأثيرات كورونا قد تترك ضعفاً معرفيّاً مستداماً، لذلك وجب الحذر من التأثيرات الثقافية للحجر الصحي على الأجيال المقبلة، فوزيرة شؤون الأسرة والطفل البريطانية تقول «السنوات الأولى حاسمة، لذلك خصصنا خمسة مليارات دولار لرعاية الأطفال، مليارٌ منها لتسهيل عودتهم إلى المدارس، ومساعدة الذين يعانون صعوباتٍ في الكلام والفهم».