وسط عدد كبير من التحولات العالمية والمتغيرات الدولية والانعطافات التاريخية والأحداث السياسية، يقف الشاب العربي اليوم، وقد اختلطت عليه الأمور، واختلف أمامه المشهد، بعد حدوث تراجع عربي واضح ومصيري يتعلق بالأولويات والقضايا المركزية والأجندات الوطنية، وغموض الرؤية المستقبلية وغيرها، ليتوّج كل ذلك بسؤال مفتوح عنده هو: نحن كأمة وشعوب ومجتمعات.. إلى أين؟
على الجهة المقابلة يعي هذا الشاب أن له احتياجاته وحقوقه وطموحاته وأحلامه، والتي خُلق بعضها معه، وتشكّل بعضها الآخر في حياته، والكثير منها بالطبع لا يستطيع تحقيقه في عالمه العربي لأسباب معروفة للجميع، وقد تداخل عنده في لحظة ما العام بالخاص، كفرد قائم بذاته وكعضو في مجتمعه وأمته، خاصة أنّ ما يريد تحقيقه لا يكون إلاّ من خلال دولته ومجتمعه، فحصل عنده نوع من التشتت والاضطراب وربما الإنكار والعجز، ليصل به في النهاية إلى البحث عن التغيير والسعي له.
الملاحظ أنّ الشاب العربي اليوم، وجد نفسه أمام خيارات عدة، أولها: البحث عن عالمه الفردي الخاص به، ومحاولة صنعه ولو على حساب تخطي الواقع والانعزال عن المجتمع، وهو ما لا يستطيع فعله بكل تأكيد، لأنّ الإنسان لا يمكنه تجاوز بيئته ومجتمعه وواقعه السياسي ومعطياته.
ثانيها: محاولة الاعتراض على واقعه والاحتجاج عليه بكل الطرق المعروفة والمتاحة، على أمل الحصول على حقوقه وتحقيق طموحاته.
ثالثها: الهجرة، والتي تعني رفض الواقع وتركه بعد شعوره بالاغتراب داخله، ومحاولة البحث عن آخر جديد، لعله يحقق فيه ذاته، وقد كشفت نتائج استطلاع أصداء«بي سي دبليو» السنوي قبل أشهر أنّ نصف الشباب العربي تقريباً يفكرون في الهجرة.
المفارقة اللافتة، أنّ هذا الشاب المُثقل بهموم أمته ومجتمعه من جهة، وهمومه المحقة من جهة أخرى، يُطلب منه أن يحافظ على إرثه المجتمعي، وأن يواكب التطورات الحاصلة، وأن يحقق النجاح المطلوب وسط كل هذه المعطيات والمعوّقات والانتكاسات، وإن لم يحقق ذلك، فإنّ ثمة نقد واتهام بالفشل سيلاحقه، وكل هذا وهو يرى الشباب في مناطق كثيرة من العالم يولدون وقد أٌعدّ لهم كل شيء، وتمَّ تبنيهم بالكامل من دولهم ومجتمعاتهم.
وأخيراً، يكفينا أن نرى الشاب العربي اليوم، وهو يلجأ لهجرة خطرة عبر البحار والمحيطات، يحمل فيها روحه على كفه، لنعرف الحالة التي يعيشها وكيف يعاني ويُفكّر، وربما تُعيننا ما تُعرف بـ«سيكولوجية الهجرة» لفهم الحالة النفسية والذهنية التي يحياها هذا الشاب.