على خلفيَّة جائحة كورونا يبرز موضوع ماهية علاقة كل إنسان بجسده، وكيف ينبغي أن تكون؟.. علاقة الناس بأجسادهم عجيبة؛ فهناك المتنكر، وهناك المكترث، وهناك المهتم بالجانب المادي من جسمه فقط، إلى درجة الإضرار بنفسه، وهناك من يوازن بين هذا الجانب والجانب الروحي.
لا يوجد أي شك في أن صحة الإنسان رأس ماله، وهذه حقيقة نصح بها الرسول في حديثه الصحيح الذي رواه الإمام البخاري وغيره؛ فعن سيدنا عبدالله بن عمرو بن العاص، قال: قَالَ لي صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «يا عَبْدَاللَّهِ، ألَمْ أُخْبَرْ أنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ، وتَقُومُ اللَّيْلَ؟ فَقُلتُ: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قَالَ: فلا تَفْعَلْ صُمْ وأَفْطِرْ، وقُمْ ونَمْ، فإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ بحَسْبِكَ أنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ، فإنَّ لكَ بكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أمْثَالِهَا، فإنَّ ذلكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، فَشَدَّدْتُ، فَشُدِّدَ عَلَيَّ قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ إنِّي أجِدُ قُوَّةً قَالَ: فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عليه السَّلَامُ، ولَا تَزِدْ عليه، قُلتُ: وما كانَ صِيَامُ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عليه السَّلَامُ؟ قَالَ: نِصْفَ الدَّهْرِ، فَكانَ عبدُاللَّهِ يقولُ بَعْدَ ما كَبِرَ: يا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ».
عبارة «إن لجسدك عليك حقًّا..»، تحتاج لتوقف، وهذا التوقف سيصل به الإنسان إلى اليقين التام بأن جسمه يتطلب منه الرعاية والعلاج وقبله الوقاية، لأن جسم كل واحد منا مُعرَّض للأذى، ويتأثر بالعوامل المحيطة به، ومن حقه علينا أن نحميه، وألا ننتظر ونتقاعس إلى أن نصاب بالأمراض، وإذا قدر الله لأحدنا أن يعيش، فليعش بشكل أحسن.
المحافظة على الجسد من الأسقام، أمر ضروري، وقد أوجبت الشريعة إنقاذ الأنفس بالوقاية من الأمراض والأوبئة، ولا يوجد أي خلاف في أنه من حق جهات الاختصاص إلزام الناس باتقاء الأمراض، وفرض التقييدات، وضبط المباحات؛ فكما أن المرض والشفاء بيد الله عزَّ وجلَّ، فالوقاية من الأسباب التي أودعها الله تعالى في الكون، وبها يبعد اليأس من روح الله، ويستجلب الأمل في الله، ويزداد الإيمان بقدرة الله على الحماية وعلى الشفاء، وتنتظم علاقات المخلوقين بعضهم البعض.