راق لي حديث بعض الزملاء في جلسة سمر في أحد المجالس، اجتمع فيه من هب ودب من الموظفين «يتشاكون» همومهم، وما عاشوه من أحداث وصراعات داخل جهات عملهم، وهم عبارة عن «توليفة أسبوع».
هناك تغييرات مستمرة في مؤسسات العمل المختلفة، ووجوه جديدة على الساحة -عقليات متنوعه نراها (مسؤول يعمل بخطة وغيره من غير خطة) أحدهم لديه علم بمفهوم الإدارة، والآخر «ربنا كما خلقتنا».
نتاج تلك النقاشات المتنوعة التي تم الخوض فيها، هو مدير جديد بإحدى المؤسسات «قام بخلط الحابل بالنابل» في المؤسسة، من عمليات نقل وتعيين وتهميش وتدوير الموظفين، ما أحدث فجوة بينهم وبين مرؤوسيهم وعمل ربكة -آسف، أقصد «دبكة»- في آلية ونظام العمل والذي كبد المكان مبالغ مالية باهظة.
عادت بي ذاكرتي لإحدى المقالات القديمة المنشورة زمان عن شخصية «نعمااان» الذي عين في منصب «مدير عوود» بإحدى المؤسسات الكبيرة والمهمة في الدولة، والذي عول عليه الكثير من الطموحات، وتم تعيينه بناء على إنجازاته وخبرته العملية والعقلية الفذة المكتسبة من ميادين العمل.
أرجع وأقول تم تعيينه بناء على خبرته وليس بالتزكية كما نظن، فانتهج نعمااان أساليب علمية حديثة في الإدارة منها «منهج كن فيكون»، ومنهج «لا تناقشني»، والأخير وهو المعمول به حالياً منهج عاجل جداً خلال ساعة عمل في إدارة المؤسسة للوصول إلى الأهداف المرسومة له كمدير، ضارباً بذلك عرض الحائط بجميع القيم والرسائل والرؤى المؤسسية التي تنادي بها الحكومات.
فالقائد الفذ نعمااان قادر على إدارة المؤسسة بجميع تخصصاتها ومهامها المتشعبة بأسلوبه الخاص دون الاستعانة بالمديرين المتخصصين «طلع نعمااان بتاع كله».
أما سلطان بن سعيد، فهو من الموظفين المتميزين في المؤسسة والذي يشار له بالبنان يروي لنا موقفه مع «المدير العوود» نعمااان، وكيف آلت الأمور بتهميشه وجعله حبيساً لدكة «الاحتياط». يقول «بوسعيد» ذات مره طلب مني «المدير العوود» إنجاز بعض المهام وبالصورة العاجلة، وعندما أدليت بدلوي له بضرورة إنجاز المهمة وفقاً لخط السير المعتمد لها في المنظومة، وإلا اعتبرت مخالفة، ولكن «يا ليتني ما قلت هالكلام».
فقد أثارت فلسفتي للموضوع غضب نعمااان، وكانت نتيجة ذلك النقاش طبعاً التوبيخ واللوم، واتهامي بعدم فهمي في إدارة الأمور، بل وسلبيتي في تخليص المعاملات، وقام بعد ذلك بتعيين شخص بدلاً مني وهو خميس بلال، وهو من الموظفين البارعين في التلاعب بقانون الموارد البشرية في المؤسسة، وتراه خلال الأسبوع يوم واحد فقط، يمر على جميع الأقسام في المؤسسة ويرفع صوته «يزاعج يعني» ويتحرك في الممرات لإثبات حضوره، وبعد ذلك يختفي ليقوم بنفس الحركة الأسبوع التالي.
طبعاً في يوم وليلة أصبح خميس بلال رئيساً على سلطان لأنه نال إعجاب «المدير العوود» نعمااان، بوبلال طبق نظام و«لا الضالين آمين»، لتمضي أموره لأنه بكل بساطة يعرف من أين تؤكل الكتف.
أما محمد مال الله «موظف على نياته» تم اصطياده من قبل المدقق الخارجي على المؤسسة لقيامه بتخليص بعض المعاملات بناء على توجيهات نعمااان الشفهية، طبعاً ألبسوه تهمة عدم الامتثال للتشريعات ومعاقبته بكتاب خطي شديد اللهجة والتشهير به، وكان ضحية توجيهات «المدير العوود» نعمااان، الذي تنصل منها وبسهوله بأنه لا يذكر إذا وجه بهذا الشي أم لا.. على حد قوله؟
فعلاً، قالها الشاعر زمان:
وإذا الشدائد أقبلت بجنودها... والدهر من بعد المسرة أوجعكْ
لا ترجُ شيئاً من أخ أو صاحب... أرأيت ظلك في الظلام مشى معكْ؟
في النهاية إن أسلوب الاستدامة لكل مؤسسة للقيام بأداء مهامها على أكمل وجه يعتمد على وضوح منظومة العمل فيها، والاستقرار الوظيفي. أما ما قام به نعمااان من تسريح وتهميش فئة الموظفين، الذين تتعارض وجهات نظرهم معه، ولا يعملون بتوجيهاته -على حد قوله- فسوف يؤدي ذلك إلى خلق جيل جديد من الموظفين، فهل يا ترى الجيل المنتظر بعد «خلع» نعمااان من كرسيه هو جيل النخبة الذي تتمنى الحكومات أن يكون موجوداً؟ أم أن لتلك الحكومات كلاماً آخر؟