في لحظات الازدهار والتألق يراودنا شعور يقيني بأننا جديرون بكل ما حققناه من نجاحات، وأننا أصحاب الأدوار الأهم في التحديات الكبيرة التي خضناها.. لكن الوضع يختلف كثيراً في لحظات الخفوت والانطفاء، لأننا نلجأ غالباً إلى تحميل الظروف مسؤولية إخفاقاتنا، ونحاول بشتى الطرق إخلاء مسؤوليتنا عنها.
للبحث أكثر في هذا التباين عكفت منذ فترة على دراسة نظرية «الولادة من جديد»، للفيلسوف الأمريكي الشهير وليام جيمس، الذي يؤكد من خلالها مسؤولية الفرد عن كل ما يحدث له، منذ لحظات إدراكه الأولى، وحتى لحظة الموت.. ولتوضيح ذلك أكثر يشير إلى أن الإنسان ليس بمقدوره التحكم بالظروف المحيطة به، لكن بمقدوره أن يتحكم في طريقة تفسيرها والاستجابة لها.. وهو أمر فارق جداً –من وجهة نظرة– ومن شأنه أن يغير كل شيء.
في ذروة تفشي فيروس كوفيد-19، أغلقت بعض المطاعم أبوابها، وخرجت تماماً من السوق.. بعد أن فرضت معظم الحكومات إغلاقاً تاماً على الحياة العامة، وامتنع الناس عن تناول الطعام في الخارج.
الواقعية في التعامل مع الأحداث الخطيرة المحتملة قد تكون أقل ضرراً من التمسك بأحلام كاذبة
حدث ذلك، لأن أصحاب تلك المطاعم حملوا الظروف مسؤولية ما حدث لهم، واستسلموا للمصير المحتوم الذي دفعتهم الأقدار إليه.. لكن الكثير من المطاعم الأخرى تفاعلت بشكل أكثر إيجابية مع قرارات الإغلاق، وسارعت إلى تطوير تطبيقات خاصة بها لتوصيل الطلبات إلى المنازل، ولتسليمها دون تلامس.. والبعض الآخر اشترك في تطبيقات موجودة سابقاً، وساهم بشكل أو بآخر في تطويرها، وزيادة فاعليتها.. فارتفعت المبيعات من جديد، واحتفظ العاملون فيها بوظائفهم.
هذا المثال يعضد نظرية وليام جيمس، لكنه –من وجهة نظري على الأقل– لا يعني أنها تنطبق على الجميع، ففي أحيان كثيرة يعجز الإنسان عن التفاعل بشكل إيجابي مع الظروف القاهرة التي يمر بها، وتكون كل البدائل المتاحة أمامه عديمة الجدوى.. رأينا ذلك في أوقات الحروب، والأزمات الاقتصادية الكبرى.. وهو ما يدفعني شخصياً للميل أكثر لفرضية أكثر واقعية بأن الإنسان مسؤول عن جزء مما يحدث له، وليس كل شيء.. فهناك ما يمكن تجاوزه، وهناك ما لا يمكن تجاوزه.
الفرضية الجديدة يمكن أن نطلق عليها السقوط الحتمي، وهو أمر مختلف تماماً عن اليأس.. لأن الواقعية في التعامل مع الأحداث الخطيرة المحتملة قد تكون أقل ضرراً من التمسك بأحلام كاذبة.. كما أن التسليم بالأمر مهما كان صعباً ومراً، أخف وطأة على النفس من لومها وتحميلها مسؤولية خسارات لا يد لها فيها.