عندما أسمع المثل الدارج: «إن سلمت أنا وناقتي ما عليّ من رفاقتي»، أتذكر ما يسميه علماء النفس بمصطلح ثالوث الظلام، الذي يعتبر النرجسية التي تعني الكبرياء والأنانية والميكافيلية التي تعتمد على الخداع واستغلال الآخرين بالإضافة إلى الاعتلال النفسي من سمات الشخصيات الحاقدة، وهي بطبيعة الحال غالباً ما تكون نتيجة لأسباب كثيرة أهمها الفكر الأناني الذي قد يتحول إلى سلوكيات غير محمودة وضارة.
هناك درجات معينة من الأنانية، الأنانية المقبولة نوعاً ما عندما تتلخص في رغبة الشخص في التفوق وإثبات نفسه دون المساس بالآخرين وعدم التسلق على أكتاف البشر، وألّا تكون طموحاته متعارضة مع مصلحة المجتمع، وهناك الأنانية التي تعني بصريح العبارة المصلحة الشخصية المرتبطة بحب الذات على حساب القيم والمبادئ.
أفرز لنا المجتمع خلال العقود الأخيرة تنامي ظاهرة الأنانية وحب الذات، لتكون مقدمة على أي مصلحة أخرى، يعيش الشخص في بحبوحة من العيش لينسى كل المعاناة التي يعيشها الغير، من باب «نفسي.. نفسي يالمعبودي»، عندما تصادفه مشاكل الآخرين يستصغرها ويعتبرها هموماً ومشاكل تافهة لأنها لا تعنيه من قريب أو بعيد، بينما يرعد ويزبد عندما تمس جانب من جوانب حياته اليومية.
رأى أحد المديرين أن تُشترى السيارات للموظفين الأقل منه بدلاً من سيارة له بحكم منصبه
في وسائل التواصل الاجتماعي نشاهد هذه النوعيات، فبمجرد أن يطرح شخص ما مشكلته الشخصية، يقفز في حلقه العديد من تجار الوطنية ومحبي الذات الذين يشككون في صدق روايته، ويرونها مشكلة لا ترقى أن تطرح هنا، متناسين أن المشكلة الصغيرة بالنسبة لهم قد تكون كبيرة جداً بالنسبة لصاحب المشكلة، على سبيل المثال البعض ليست لديه مشكلة في أن ترتفع الأسعار قليلاً، لكنها في المقابل قد تشكل عبئاً كبيراً على غيره، 5 دراهم يومياً على شخص ما يختلف تأثيرها على شخص آخر حسب ظروفه ووضعه المادي.
يقال لو «خليت خربت»، لهذا من النعم الكبيرة التي أنعمها الله علينا أن مرضى الأنانية لهم تأثير محدود على باقي المجتمع، هنا أتذكر أحد المديرين، واجه معضلة تقليل الميزانية المخصصة لشراء السيارات للموظفين الذين يستحقون بدل سيارة، وبدلاً من أن يشتري سيارة له بحكم منصبه رأى أنه من الأنسب أن تُشترى السيارات للموظفين الأقل منه لتشجيعهم على العمل ضارباً بذلك أرفع الأمثلة في الإيثار ونكران الذات.
ختاماً، يقول أوتوفون بسمارك: "الأنانية تولد الحسد، والحسد يولد البغضاء، والبغضاء تولد الاختلاف، والاختلاف يولد الفرقة، والفرقة تولد الضعف، والضعف يولد الذل، والذل يولد زوال النعمة وهلاك الأمة".