من الصعب لإنسان اليوم مقاومة إغراء «الإفلات من القيد الأخلاقي» الذي يشده أقرانه إليه في زمن سمته «الخوف»، الذي ظننا تسليماً أن ثقافته ولّت بفعل الأمان المعزز بـ«افتراضيتنا» المعاصرة التي حولت الفرد إلى «شيء»، وكأنها بذلك تؤكد على فكرة "موت الإنسان"، فأصبح "الآخر" خطراً محتملاً حتى تثبت عينات الفحص عكس ذلك، وعدواً حتى يقضى مدته في "الحجر" اختياراً أو إجباراً، كما دُفعت الخطوط الأمامية في معارك "الحرية والمساواة" إلى الجانب المعاكس مجاهدة من أجل المزيد من تقييد الحريات لما في صالح الفرد قبل المجتمع.
على الكون أن يعود أدراجه إلى الصوت الواحد، فعندما تدق طبول الفناء، ستتنازل الإنسانية عن حريتها
إننا اليوم أكثر فردية من أي وقت مضى، بل إننا أكثر انفصاماً بسبب «عدم المعرفة»، كما أننا نتعامل مع مواقف وجودية فيها من التوجس الكثير، فقد تحول البشر إلى أرقام ترتفع وتنخفض حسب مؤشرات عالمية ومحلية تتداولها الشاشات، أما الرهان فهو سياسي واستراتيجي كوني تقوده «السلطة الحيوية» التي تقوم على ضبط حركة ورغبات الناس والتحكّم بمصائرهم، كما يسميها الفيلسوف الفرنسي «ميشال فوكو».
الأزمات التي تتشارك بها الشعوب بالدقيقة والثانية بفعل «انكشاف الكل على الكل» في زمن التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي وفورية الحدث، قدمت صوراً متباينة لنهاية التاريخ الذي سبق أن تنبأ به الفلاسفة بأشكال مختلفة.
رغم ذلك، هناك بصيص أمل لاستمرار وجودنا رهناً بمن ينقذنا على الأرض أو خارج حدودها، وفي كل الأحوال سيعلن ذلك نهاية النظام الذي أرساه الإنسان منذ مئات السنين، ويستبدله بأنظمة قد يتحكم بها ذكاء «لا بشري» من المحتمل أن ينسف الاقتصاد والسياسة والحدود كما عرفناها، وربما ينهي مفاهيمنا عن «الحرية الفردية»، فكيف سنستعد لاقتسام سكن العالم مع شيء لا نفهمه؟