التصنيف لصيق بحياتنا من ساعة ولادتنا لنُصنف بأننا من الأحياء إلى يوم مماتنا ليتم تصنيفنا أننا من الميتين، وتصنيف الإنسان وُجد منذ خلقه ليُصنف ذكراً أم أنثى، وقد يبدأ التصنيف مع الإنسان قبل ولادته من حيث العرق واللون وما يُلحق به من تصنيفات قد يكون ليس له خيار فيه.
ولا يمكن تخيل الحياة دون وجود عمليات التصنيف التي في أغلبها حاجة لتسهيل التعامل مع ما يحيط بنا ووضع كل شيء في مكانه المناسب وإعطاء كل ذي حق حقه، ولكنه يفقد دوره ويصبح سلاحاً مرتداً على المصنف إذا ما تم وضع المعايير المخالفة للمنطق، للقانون، للمسلمات، للوقائع وغيرها.
والتصنيف الخاطئ قد يؤدي للعنصرية في بعض الأحيان، أو لحدوث كوارث نتيجة وضع الشيء في غير محله كمن يترك أسداً جائعاً مع أرنب في قفص بحجة أن كليهما ينتميان لعالم الحيوان، أو من لا يفرق في تصنيفه بين الصديق الناصح الذي يكون مضطراً أن يقول ما لا يطرب له المستمع وبين المنافق الذي يُصنف نفسه من الحريصين والغيورين بينما إذا تم التدقيق بعد كل فشل أو كارثة بأن تصنيفه لا يقل عن العدو أو المخادع وإن طرز اسمه بصفات الفهم وغلف نفسه بهالة الإخلاص.
وبما أن النفس البشرية لها تأثيرها على التصنيفات فمن الطبيعي أن تقودها للعشوائية وإن وضعت في قالب التنظيم والدراسات التحليلية، فكم من التصنيفات المعتمدة حرمت الشخص الكفؤ من الفرص بينما فضلت عليه آخرين لم يكن لهم فرصة إضعاف المكان الذي هم فيه لولا وجود تلك التصنيفات التي في ظاهرها التنظيم ولكن في تركيبتها أسباب للفوضى ونقص الجودة والخسائر.
وتتداخل عمليات التصنيف مع أدبيات ومعايير أخرى فتُخْرِج المُصنف عن إطاره الصحيح، كمن يقوم بتصنيف كتاب قانوني بأنه ديني لأن كاتبه استعان ببعض القوانين الجنائية في إحدى الكتب السماوية، أو مقالة في الإدارة بأنه سياسي، أو من يُصنف قصيدة غزل تحمل كل كلمات ومرادفات الرومانسية على أنها قصيدة هجاء، أو بحث علمي بأنه سحر وشعوذة.
وهناك تصنيفات عشوائية ليس لها قواعد وأُسس ولكن مع مرور الوقت أصبحت عند من يؤمنون بها إنها من التصنيفات المنظمة، وبتتبع نشأتها تكتشف بأن ليس لها جذور علمية أو تستند لمعايير عقلية ومنطقية وإن من صنع تلك التصنيفات استغل جهل من عاصروه.