السبت - 23 نوفمبر 2024
السبت - 23 نوفمبر 2024

الأطفال وبشاعة الإعلام

بعض الصور الإعلامية لا يمكنك تجاهلها، لا يمكنك إلا أن تركض بعيداً خائفاً من أن تصل إليك أصابعهم العشرة لتطبق على رقبتك، فلا تجد من شدة الخوف إلا أن تحاول الركض بقدر ما يمكنك دون أن تتوقف.

يحاول الإعلام أن يستغل صور الأطفال في كل قضية، يبحث عن أضعف طرف، فلا يجد إلا الأطفال وكبار السن الذين يأخذون نصيب الأسد في مدى تأثيرهم على الجمهور، وحقيقة أن ثمة أطفال يسكنون الذاكرة إعلامياً، يدونون تاريخهم رغم قصره، بينما نحن الجمهور نشاهد كل هذه المحطات التي تترك أثراً لا ينتهي، الإعلام شهي وقاسٍ ولا يستحي من الحق.

لا ألوم المصور كيفين كارتر حينما أقدم على الانتحار، بعد التقاطه لصورة الطفلة السودانية الجائعة بينما النسر ينتظر موتها ليأكلها، للأسف، كانت الصورة وأهوال ما رآه خلال عمله أكبر مما قد يتحمل.

الإعلام أحياناً بل في كثير من الأحيان، يسقط في ذريعة جذب الجمهور عبر بث الشائعات وعدم التحقق من المعلومات التي تطرح.

الإعلام الذي يدور في كنف الأطفال، العنف، القتل، التهجير، الغرق، يضع في كل حكاية كماً من الألم الذي لا يحتمل، في سبيل أن يوقع المشاهد في فخ المشاهدة، التي تصل أحياناً لـ24 ساعة متواصلة، دون أن يتحرك المشاهد من أمام شاشات القنوات، باحثاً عن أي معلومة جديدة تخص القضية أو الخبر الصحفي المعلن، الذي يفترض أن يكون عرضها لرفع مستوى الوعي والثقافة، لكن الإعلام أحياناً بل في كثير من الأحيان، يسقط في ذريعة جذب الجمهور عبر بث الشائعات وعدم التحقق من المعلومات التي تطرح.

تابعنا قضية ريان في المغرب، التي انتهت بموت الطفل الصغير في بئر عميقه، ووجدنا كم استغل الإعلام هذه القضية بكل ثانية بل وربع الثانية، الإعلام أيضاً قبل أعوام ركز على الطفل السوري إيلان كردي ذي الـ3 سنوات، الذي لقي حتفه غرقاً في البحر، حيث رمى الموج جثته الصغيرة على شواطئ تركيا، أثناء هروبه مع أسرته في زورق من سوريا.

فيما أصبح الطفل عمران 5 أعوام، أيقونة لويلات الحرب في سوريا، عندما نشرت وسائل الإعلام العالمية في 2016 صورته، بعدما تم إنقاذه من تحت أنقاض أحد المباني المهدمة في المنطقة الشرقية لحلب، وظهر فيها شارداً مذهولاً وهو جالس على كرسي عربة الإسعاف، وكان يغطي وجهه يبده الملطخة بخليط من الدماء والتراب.

ورغم كل ذلك لا يزال الإعلام سواءً الإعلام العربي أو الأجنبي، يقع في هلوسة البحث عن صيد المشاهد دون الاهتمام بحقيقة الخبر.