عندما كنّا صغاراً كنا لا نعرف معنى القناعة، والاكتفاء بلعبة واحدة غير كافٍ، ونشعر بالملل منها سريعاً، وكلما ذهبنا إلى البقالة أو مررنا بمحل الهدايا طلبنا المزيد، حتى علّمنا ذوونا الصبر والقناعة، بالمنع المتقطع وإدارة احتياجاتنا عبر تعزيز مبدأ «ليس كلُّ متاحٍ قابلاً للشراء» إلى جانب مبدأ «الثواب والعقاب».. فيتم بذلك حقيقة كبح جماح «هرمون المتعة» وهو دوبامين يفرزه الجسم يُنشط الدماغ عند الحصول على غرض جديد حسب ما نُشر في موقع (mamanpourlavie) الفرنسي.
هذه العادة تصبح في وقت ما سيئة للغاية، وتكاد تكون سلوك فئة من أفراد المجتمع، يملكون ما يسد حاجتهم، ولكنهم اعتادوا على انتزاع المنافع والهبات والتسابق على الجمعيات الخيرية، لأخذ المساعدات المالية والعينية والتزاحم عند أبواب الأغنياء في أوقات المناسبات لينالوا قسطاً من الصدقات الموزعة، مقللين بذلك فرص المحتاجين بحق، من المتعففين الذين يخجلون من مجرد سؤال أقرب الأقربين إليهم!
هكذا حال تلمسه كذلك في برامج الخط المباشر التي يلجأ إليها البعض- طمعاً لا حاجة- وسط وجود قوائم طويلة من المحتاجين بحق، فتشعر بالخزي منهم وما يعتريهم من جشع، حتى أصبحوا عالةً على مجتمعاتهم، نتيجة تقاعسهم وتسربهم من وظائفهم حتى خسروها، فأثقلوا كاهل صناع القرار بأن أصبحوا ضمن قوائم المعوزين، وهم ليسوا كذلك، ولكنه «ابن البلد» ولا مفر منه ومن تلبية حاجته الناتجة عن تخاذله.
العمل الخيري يحتاج إلى وقفة حتى لا يطوله العبث ولينال كل مستحقٍ ما قُسم له من خير
أذكر قصصاً عدة مرت على أبواب الجمعيات الخيرية من أشخاص يملكون ويرغبون في المزيد.. يقفون بالساعات حتى يأخذوا قسمة ليست لهم- ولو كانت من جيب الموظفين- الذين يقعون في إحراج نتيجة إلحاح الطرف الآخر، وخاصة إن كان مُسناً. لجؤوا هناك وأبناؤهم في «سابع نومة» يتملكهم الكسل والذل، وارتضوا لذويهم اللجوء للسؤال، في ظل قدرتهم على العمل، وتوفير الحياة الميسورة.
هنا تعود الحاجة الفعلية للبحث بشكل مضاعف من قبل الجمعيات والمحسنين عن المستحقين بأحقية وأولوية بطرق عدة، ومنها تتبع الأسر المتعففة، فهؤلاء أحق بمد يد العون لهم.
هناك أيضاً، مسؤولية أخرى ملقاة على بعض الوسطاء ما بين فاعلي الخير والفقراء، بأن يسمحوا للمحسنين بالوصول إلى أصحاب العوز بدلاً من تركيز المنافع بين معارفهم وذويهم!
العمل الخيري يحتاج إلى وقفة حقيقية حتى لا يطوله العبث، ولينال كل مستحقٍ ما قُسم له من خير، فبعد الضمير تأتي الشؤون التنظيمية لتضع الأسس الصحيحة في هذه العملية التي تتطلب تحديثاً مستمراً يناسب ظروف كل زمان ومكان