عام 2018 في برلين تحديداً، كنت مع صديقة روائية قريبة إلى قلبي، نتحدث عن مفاهيم اجتماعية كثيرة، ومنها «الخيانة العاطفية»، قالت لي: إن كل خيانة لا يكتشفها الطرف المعني لا تعد خيانة!
توقفت كثيراً عند هذه العبارة، وشعرت لحظتها بأني اقتربت من فهم مغزاها، إلا أنها ظلت ملتبسة في ذهني، فكل مرة أمنحها تأويلاً جديداً، ينسف ما قبله.
في عام 1909، أقامت أهم روائية بريطانية على الإطلاق «فيرجينيا وولف» علاقة حب خفية مع زوج أختها الناقد بيل كلايف، وكانت تلك المغازلات تتجلى فكرياً وإبداعياً عبر الرسائل التي يظهر من خلالها كلايف افتتانه بأسلوبه ولغته، بينما تظهر فيرجينيا الغواية التي وقعت في شباكها وهي ميلها النفسي في القبض على دهشة الأذكياء المستمرة من ألمعيتها وعبقريتها.
هي لا تكترث كثيراً لإطراء الجسد بقدر ولعها بالفتنة، التي تحدثها قدرتها اللغوية الفذة، واستمتاعها بإثارة الإغراء العقلي حين تمارس ألعاب الخيال في تركيب أحداث وشخصيات تتحرك من حولها.
لم تكن فرجينيا وولف تحب بيل كلايف بقدر حاجتها لاستفزاز خيلائه واستثارة عقله نحو قدرتها الملغمة على الإبداع، وبالرغم من أن تلك العلاقة لم تتعدَ هذه المناكفات الغزلية، إلا أنها سببت لفيرجينيا شعوراً عميقاً وأبدياً بالذنب.
ظلَ هذا الشعور الذي نمى في جسدها مثل نبتة خبيثة، يرافقها حتى أصبح من الأسباب التي أدت بها إلى الجنون، فقد وصفت نفسها في الأيام التي قاطعت فيها الطعام نهائياً أن ثمة إثماً يجثم في فمها، وأن أصابعها متعفنة من كثرة الآثام والخطايا.
قدمت فيرجينيا وولف خيانتها على طبق من الشعور الذي لا يُحتمل بالذنب، ومنحتنا معه الكثير من المؤلفات العظيمة التي تراقب الذات الإنسانية وهي تضطرب وتتضعضع بسبب من الشعور بالخطيئة تجاه الذين منحت لنفسها الحق بالسطو على حياتهم الواقعية وتعكير صفوها، لم تصف لنا واقعة خيانة واضحة في مجمل رواياتها، إلا أنها وصفت بدقة متناهية الشعور المزمن بالذنب، والذي يجعل من كل أبطالها شخصيات مغرقة بالبؤس والحيرة.
اتصلت قبل أيام بصديقتي الروائية، وبشكل مباغت أخبرتها؛ بأنني وبعد مرور 3 سنوات على محادثتنا في برلين، عرفت أن كل خيانة لا تنتج عنها عيون ذاوية من الأسى، فهي خيانة وإن ظلت سراً للأبد.
فالخيانة هي تلك الحالة المروعة من تكلس الروح الإنسانية التي ترتكب الفظائع دون أي شعور بالذنب، و هي السر الذي لا يشعر الإنسان نحوه بأي حالة من حالات أبطال فيرجينيا وولف، وهم يهيمون على وجوههم وحيدين في شوارع لندن.