2021-10-05
غادة السمان، غابت فجأة عن مشهد ثقافي احتلته بقوة واستحقاق لأكثر من عقدين. كتبت عن حاضر صعب وعن مستقبل احتمالي في مهب الريح. تصورت في (1974)، جنون المجتمع اللبناني في روايتها "بيروت 75"، حتى قبل غرقه في حرب أهلية أحرقته على مدار 15 سنة. وكتبت "كوابيس بيروت" (1976)، فوضعت ويلات الحرب في مرمى البصر العربي الذي لم يكن العصر القادم وما يُخَطُّ له، يهمه كثيرا.
ثم كتبت "الرواية المستحيلة" (فسيفساء دمشقية1) (1997)، يا دمشق وداعا (فسيفساء دمشقية2) (2015) لاسترجاع زمن كان يحتضر قبل الدمار الشمال الذي مس سوريا. كما كتبت "سهرة تنكرية للموتى" (2003) وتوقعت فيها انهيارا مدويا لبيروت.
لا يمكن لكاتبة حساسة مثلها أن تتوقف عند حافة انهار فيها كل يقين فينا دون أن يتجدد السؤال: هل كنا في وهم جميل، نتغنى بعالم أعقد مما تصورناه؟ عالم يسبح في دائرة تخلف أصبحت جزءا منه، بل تكاد تكون دينه الأرضي، في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بالمعتقدات الشعبية، بالمؤسسة الدينية التي أوقفت أي اجتهاد. فاختارت غادة العزلة العميقة بدل الدوران في طاحونة الفراغ المؤدي إلى انهيار ما تبقى واقفا.
اللمسة المتميزة التي تركتها غادة السمان على الأدب العربي، والأدب النسوي (المفهوم غير دقيق) تحديدا كانت عظيمة، وما زالت الكثيرات يُدنَّ لها بالكثير، وإن لم تصرِّحن بذلك، لكن الاصطدام العفوي بجملها عندهن يرجعنا نحوها. عملت على شيء أعظم من تحرير المرأة من قيد اليومي الثقيل، بمنحها مساحات نصية لم تكن متاحة من قبل. فقد حررت، أو عملت على تحرير أداة التعبير الجريحة، اللغة العربية، من قيد الصرامة واليقين.
جاهل من يقول إن اللغة العربية عاجزة عن المحمولات الإنسانية أو الحسية، وإن قرون الجمود اللغوي التي مرت عليها، جففتها من نسغها التعبيري، تمنعها من غزل الماء، وشمّ عطر السماء، ومن الحديث السري والمعلن عن الجسد بمعناه الأكثر اتساعا بحيث يشمل جسد الأرض في جراحاتها المعلنة والسرية، والجسد الأنثوي لأنه الأكثر تعرضا للاغتصاب الفعلي والرمزي. غادة السمان حررت اللغة بإعادتها إلى جوهرها الأنثوي الجميل والشعري الدافئ والمدهش. فقد منحت كاتبات وكتاب اللغة العربية لغة حية وشهية أيضا، لغة قريبة من سحر الحياة، وكسرت حجز الصوان الذي أثقل اللغة العربية ردحا من الزمن. تكاد تكون غادة السمان، هي الكاتبة، ربما الوحيدة التي جعلت من اللغة، قضيتها الإبداعية الأساسية، بعد أن حررتها من ثقل الأعشاب الضارة وشح الماء، والأصداء الثقيلة.
ثم كتبت "الرواية المستحيلة" (فسيفساء دمشقية1) (1997)، يا دمشق وداعا (فسيفساء دمشقية2) (2015) لاسترجاع زمن كان يحتضر قبل الدمار الشمال الذي مس سوريا. كما كتبت "سهرة تنكرية للموتى" (2003) وتوقعت فيها انهيارا مدويا لبيروت.
لا يمكن لكاتبة حساسة مثلها أن تتوقف عند حافة انهار فيها كل يقين فينا دون أن يتجدد السؤال: هل كنا في وهم جميل، نتغنى بعالم أعقد مما تصورناه؟ عالم يسبح في دائرة تخلف أصبحت جزءا منه، بل تكاد تكون دينه الأرضي، في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بالمعتقدات الشعبية، بالمؤسسة الدينية التي أوقفت أي اجتهاد. فاختارت غادة العزلة العميقة بدل الدوران في طاحونة الفراغ المؤدي إلى انهيار ما تبقى واقفا.
اللمسة المتميزة التي تركتها غادة السمان على الأدب العربي، والأدب النسوي (المفهوم غير دقيق) تحديدا كانت عظيمة، وما زالت الكثيرات يُدنَّ لها بالكثير، وإن لم تصرِّحن بذلك، لكن الاصطدام العفوي بجملها عندهن يرجعنا نحوها. عملت على شيء أعظم من تحرير المرأة من قيد اليومي الثقيل، بمنحها مساحات نصية لم تكن متاحة من قبل. فقد حررت، أو عملت على تحرير أداة التعبير الجريحة، اللغة العربية، من قيد الصرامة واليقين.
جاهل من يقول إن اللغة العربية عاجزة عن المحمولات الإنسانية أو الحسية، وإن قرون الجمود اللغوي التي مرت عليها، جففتها من نسغها التعبيري، تمنعها من غزل الماء، وشمّ عطر السماء، ومن الحديث السري والمعلن عن الجسد بمعناه الأكثر اتساعا بحيث يشمل جسد الأرض في جراحاتها المعلنة والسرية، والجسد الأنثوي لأنه الأكثر تعرضا للاغتصاب الفعلي والرمزي. غادة السمان حررت اللغة بإعادتها إلى جوهرها الأنثوي الجميل والشعري الدافئ والمدهش. فقد منحت كاتبات وكتاب اللغة العربية لغة حية وشهية أيضا، لغة قريبة من سحر الحياة، وكسرت حجز الصوان الذي أثقل اللغة العربية ردحا من الزمن. تكاد تكون غادة السمان، هي الكاتبة، ربما الوحيدة التي جعلت من اللغة، قضيتها الإبداعية الأساسية، بعد أن حررتها من ثقل الأعشاب الضارة وشح الماء، والأصداء الثقيلة.