على مدى الأسبوعين الماضيين، تواترت أنباء، عن رغبة الرئيس الأمريكي، جو بايدن في إجراء زيارة إلى السعودية، ولقاء خادم الحرمين وولي العهد، وأول من سرب هذه الأنباء صحيفة نيويورك تايمز نقلاً عن مصادر مطلعة من داخل البيت الأبيض.
ثم بعد ذلك توالت الأنباء التي غلبت عليها صيغة «شبه رسمية». خلال تلك الفترة تضاربت مواعيد الزيارة ما بين الإعلان والتأجيل. ماذا يعني ذلك؟ يُفسر هذا الأمر بتوافر رغبة حثيثة داخل الإدارة الأمريكية بحتمية زيارة بايدن للسعودية، وما تناقلته الصحف الأمريكية، يندرج في إطار بالونات جس النبض، على أمل استقبال إشارات إيجابية من المملكة يمكن التعاطي معها، غير أن المملكة تعاملت مع الرسائل الأمريكية غير المباشرة بالتزام الصمت التام، وكأن الأمر لا علاقة له بالمملكة.
وحسناً فعلت المملكة ذلك لأكثر من عامل، أولاً: التعاطي مع الرسائل غير المباشرة، ليس ضمن أولويات الدبلوماسية في المملكة، سيما وأن وزارة الخارجية السعودية لها إرث عريق من التقاليد الدبلوماسية.
ثانياً: قد يرى البعض أنه كان يمكن التعاطي مع الرسالة بطريقة غير مباشرة، وهناك وسائل عديدة يمكن اتباعها في هذا الشأن، ومردود على ذلك بأن أمر الزيارة من عدمه لا يعني المملكة، وأنه مهما كانت أهمية القمة الأمريكية - السعودية للإقليم أو العالم فإن المملكة لن تستجدي عقدها.
هناك رغبة حثيثة داخل الإدارة الأمريكية بحتمية زيارة بايدن للسعودية
ثالثاً: المصالح الأمريكية وراء حرص إدارة بايدن على هذه الزيارة، التي يسعى من ورائها إلى تضييق فجوة وجهات النظر المتباينة حول عدد من الملفات الإقليمية والدولية، فضلاً عن محاولاته كبح الزيادات غير المسبوقة في أسعار الطاقة في الداخل الأمريكي تحت وطأة الحرب الروسية - الأوكرانية.
رابعاً والأهم: بايدن (الضيف) والمملكة ( المُضيف) فكيف للضيف أن يحدد موعد زيارته للمُضيف، ألا يخالف ذلك الأعراف والتقاليد الدبلوماسية؟ جملة العوامل السابقة، وغيرها من الموضوعات الأخرى دفعت المملكة إلى التزام «الصمت الدبلوماسي»، قبل أن يبادر الديوان الملكي بإعلان موعد وبرنامج الزيارة، وهي الخطوة التي وضعت الأمور في نصابها السليم.
لا يخفى على أحد أن العلاقات الأمريكية - الخليجية تواجه لحظة الحقيقة منذ فترة ليست بالقصيرة، نتيجة معاكسة إدارة بايدن تعامل إدارات سابقيه في عدد من الملفات المهمة في المنطقة، غير أن الحرب الأوكرانية دفعت الإدارة الأمريكية إلى تصويب بوصلتها مجدداً.
على كلٍ.. أسابيع قليلة تفصلنا عن هذه الزيارة، ونمني أنفسنا بأن تكون فصلاً جديداً في العلاقات الأمريكية - العربية، والخليجية على وجه التحديد، حتى يتسنى للعالم مجابهة تحديات النظام العالمي الذي يولد من رحم الحرب الراهنة.