لم تكوّن الجزائر وليبيا جبْهة موحدة خلال حكم الرئيس معمر القذافي في محيطهما المغاربي والأفريقي، بل إن التنافس بينهما بلغ ذروته، وأثّر ـ أحياناً ـ سلباً على علاقتهما بأطراف الأخرى، وكانت السياسة، وما يتبعها من مواقف، قد ركزت على أيهما أولى بقيادة المنطقة نحو توجهات كبرى قاريَّة أولاً، وعالمية ثانياً.
تلك العلاقة عمقت الفشل، خاصة في المجال الاقتصادي، ومع ذلك فإنها في مدها وجزرها ظلَّت قائمة، وحين بلغت في بعض الأوقات مستوى عالياً من التدهور على خلفية موقفهما من قضايا محددة، تم تدارك الموقف من قادة الدولتين.
لقد أُسّسَت على ذلك الإرث التاريخي في بعده السياسي مواقف جديدة، بعد سقوط النظام الليبي السابق، منها: أن معظم قادة الحكم في ليبيا على مختلف توجهاتهم لم يعوّلوا على الجزائر حليفاً استراتيجياً، وبحثوا عن آخرين من خارج المنطقة، بل ومن خارج القارة، وهناك من استعان بالجماعات الإرهابية، ولولا أن الجزائر دولة جارة، ولها امتدادها الأمني من خلال ولاءات قبليّة، وعلاقات مع قلة من القادة السياسيين، لأبْعِدت نهائياً عن المشهد الليبي.
العلاقة بين الدولتين خلال الفترة السابقة ظلت رهينة تداعيات الساحة الليبية على الصعيدين السياسي والأمني، ومواقف الجزائر منها فسّرت من بعض الليبيّين على أنها «خوف من ليبيا وليس عليها»، وبذلك تراجع التعاون في المجال الاقتصادي، بما في ذلك مجال الطاقة، مع أنه حيوي وضروري للطرفين، لدرجة أن «سوناطراك» الجزائرية علقت نشاطها في ليبيا أول مرة في 2011، وعادت للنشاط في 2012، قبل أن تتوقف ثانية في 2015 بسبب تدهور الوضع الأمني هناك.اليوم.. تبدو العلاقات الجزائرية - الليبية تتجه نحو مسار جديد، يركز على الاقتصاد أولاً
اليوم، تبدو العلاقات الجزائرية ـ الليبية تتجه نحو مسار جديد، يركز على الاقتصاد أولاً، ففي العاشر من شهر فبراير الماضي، وقعت سوناطراك اتفاقية تفاهم مع المؤسسة الوطنية الليبية للنفط من أجل استئناف نشاطها في مجال التنقيب المتوقف بسبب الأزمة الأمنية، حيث ستستثمر 50 مليون دولار أخرى، إضافة إلى 150 مليون دولار سابقة، في ثلاثة مواقع استكشافية في«غدامس» قرب الحدود الليبية الجزائرية.
ولمزيد من التأكيد على هذا المسار، تشارك 55 مؤسسة صناعية جزائرية في معرض «صنع في الجزائر» الذي سيقام في الفترة الممتدة ما بين 6 ـ 9 يونيو الجاري بمدينة طرابلس.
وتسعى تلك المؤسسات لعرض صناعتها الجزائرية وخبرتها في مختلف المجالات المتعلقة بالأشغال العمومة والبناء والصناعات الغذائية والعتاد والخردوات والعديد من المجالات الأخرى، وذلك لتعزيز وجودها في ليبيا، وجعلها بوابة للتصدير نحو مختلف الدول الأفريقية.. فهل ستنجح العلاقة بين البلدين وتنمو من خلال الاقتصاد؟.. ربما.