منذ 11 عاماً وقعت الأحداث السورية ضمن حراك ما يسمى الربيع العربي، وكنتاج طبيعي للحرب والمآسي وانتشار الجماعات الإرهابية، وتنازع الدول على أرضها، هاجر ما يقارب من 4 ملايين سوري حول العالم.
وتشير آخر الإحصاءات أن تركيا وحدها استقبلت أكثر من 3.5 مليون سوري، ومن الطبيعي أن يقبل المهاجرون في مثل هذه الظروف أن يعملوا في أوضاع اقتصادية صعبة وبأجور متدنية بساعات طويلة، كحال كل مَن يهرب من ويلات الحرب، ما وفر للاقتصاد التركي أيدٍ عاملة متعلمة ومتحضرة وأيضاً رخيصة بعدد مهول.
تزامنت هذه الهجرة مع تصاعد مطرد للاقتصاد التركي، ومتانة في الليرة، وانتعاش للسياحة الخليجية هناك، مدعومة بقوة ناعمة نجح الأتراك بإدارتها، حيث يزور تركيا في الأعوام التي تلت الثورة ما يقارب مليون سائح خليجي سنوياً، بنسب إنفاق عالية جداً، وقد كان للعامل السوري تأثيراً مهماً في ذلك، بسبب إجادته العربية وفهمه المزاج الخليجي وتدني أجره بشكل عام، وبذلك كانت تركيا وجهة سياحية مثالية للعوائل الخليجية.
والآن يجري الحديث عن حملات شعبية عنصرية تجاه السوريين هناك، حيث يتعرضون للمضايقات والاعتداءات باستمرار من قِبَل الأتراك، مطالبين بترحيلهم وخروجهم وعودتهم لسوريا، كما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن حملة لترحيل مليون لاجئ سوري طواعية كما وصفها، رغم اعتراض الحكومة السورية على ذلك.
إنكار فضل السوريين على قطاع السياحة التركي وإخراجهم من السوق ستكون له تبعات وخيمة
في الآونة الأخيرة، وبسبب عدة عوامل سياسية واقتصادية وصحية فقدت السياحة في تركيا وهجها خليجياً، وتعرضت لانتقادات لاذعة وحملات مقاطعة أثرت كثيراً على تدفق الاستثمارات، وعزوف كامل للعوائل الخليجية بسبب تكرار حوادث الاعتداءات وضعف الأمن، ومع العمل على عودة العلاقات السياسية بين تركيا والخليج وإصلاحها، يأمل الأتراك أن تعود المياه إلى مجاريها ويعود السياح الخليجيون إلى تركيا بنفس الوتيرة.
إن خروج السوريين من تركيا يعني فقدان تلك الواجهة اللطيفة التي تقابل بها تركيا السياح العرب، وأيضاً يعني نقصاً في الأيدي العاملة المدربة، ما يعني ارتفاع التكاليف ونقص مقدمي الخدمات المباشرة، وبالتالي ارتفاع الأسعار على السائح في وقت تحتاج تركيا كي تُجمّل صورتها إلى أن تستقبل سائحيها بوجه آخر ليس كما عهدوه.
ربما يساعد خروج اللاجئين السوريين بخفض نسب البطالة بين الأتراك وكبح جماح التضخم وانخفاض التحويلات الخارجية وغيرها من المبررات، ومن حق كل دولة أن ترعى مصالح مواطنيها بالدرجة الأولى، إلا أن إنكار فضل السوريين على قطاع السياحة التركي وإخراجهم من السوق ستكون له تبعاته الوخيمة، والتي سيدركون تأثيرها تدريجياً في نهاية المطاف.