الجمعة - 22 نوفمبر 2024
الجمعة - 22 نوفمبر 2024

«دول الجنوب الغنية».. وصناعة التاريخ

يتوقع كثير من المراقبين أن دول الجنوب، أو تلك المصنّفَة ضمن دول العالم الثالث، ستكون مؤثرة في التاريخ العالمي الراهن، وأن الدول الصاعدة منها، خاصة التي تمتلك ثرواتٍ طبيعية هائلة ستنتقل من فضاء السباق الدولي في محاولة للاستيلاء على ثرواتها، إلى مساهمة في صناعة التاريخ المعاصر، وهذا سيعطي معنى جديداً لمفهوم القوة.

الطرح السابق، يؤسس اليوم على المعطيات الدولية الراهنة، التي تظهر في صيغيتين متقاربتين ومكملتين لبعضهما، الأولى، يمكن تسميتها بصيغة«العالم ثالثية»، والثانية «الصيغة الروسية ـ الأوكرانية».

بالنسبة للصيغة الأولى، فإنها خاصة بتعامل الدول الكبرى الغربية مع دول العالم الثالث، ومن ضمنها الدول العربية، وبوجه خاص تلك المالكة إما لثروات طبيعية، مثل العراق وليبيا، أو ذات ثروة بشرية مثل سوريا، أو ذات الموقع استراتيجي مثل مصر.

هذه الصيغة يمكن أن نعتبرها «عالم ثالثية»، بها تمكنت القوى الكبرى من فرض سيطرتها بشكل غير مباشر، عبر حروب أهلية وفتن داخلية بدأت منذ نهاية عام 2010.

الغرب كشف عن ضعف كبير، تعانيه دول الاتحاد الأوروبي لجهة اتخاذ مواقف ضد دول الجنوب الغنية

تلك الصيغة امتدت لتشمل دول الجوار الأخرى، بما فيها الفقيرة، وإن كانت ذات عبء تحملت معظمه أو بعضه الدول المجاورة، أو الأخرى التي تشترك مع دول الجنوب الغنية في البعد القومي وفي المصير.

ومع ذلك فإن القوى الدولية الفاعلة لم تتمكن من تحقيق نتائجها المرجوة، وقد كشفت وقائع السنوات الخمس الأخيرة، أن صيغة «العالم ثالثية»، عادت بالويل على الدول الغربية، بل حولتها إلى ميدان حرب وخصومات، وإلى بيئات مغلقة على نفسها، تحارب ميراثها الديمقراطي، وتتنصل من مسؤولياتها الأخلاقية، بما فيها الخاصة بحقوق الإنسان.

أما الصيغة الثانية، فهي نتاج الصراع الراهن بين روسيا والغرب، وهي «الصيغة الروسية ـ الأوكرانية»، حيث التمثيل غير المقصود لدول الجنوب من روسيا، والدور الإجباري لأوكرانيا نيابة عن الغرب، بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية، ورغم القول بفشل روسي، ونصر غربي منتظر من خلال ضخ إعلامي في محاولة لكسب الحرب، إلا أن الغرب كشف عن ضعف كبير، تعانيه بوجه خاص دول الاتحاد الأوروبي لجهة اتخاذ مواقف ضد دول الجنوب صاحبة الثروة.

في الصيغة السابقة، توسّعت مساحة دور الدول المتجهة نحو تعدد قطبي على الصعيد الدولي، الظاهرة في الأقطاب الثلاث «الصين، روسيا، الهند»، كما وسعت من مساحة دول الجنوب الغنية، التي عرفت حجم قوتها بما لديها من سلاح الطاقة والمواد الخام، مما سيجعلها شاركا فاعلا في صناعة التاريخ العالمي بزمنيه: الحاضر والمستقبل، وهذا إيذان بنوع جديد من العلاقات الدولية.