الدول الثلاث المعنية هي إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، وتأتي مرتبة هنا حسب مكانتها في الشراكة مع الجزائر في مجال الطاقة، تتنافس اليوم في ما بينها على ضمان إمداد بالغاز الجزائري للسنوات المقبلة في ظل بحث دول الاتحاد الأوروبي عن مصادر بديلة للغاز الروسي، حيث تسود القناعة اليوم لدى تلك الدول على أنه لا مناص من جنوب المتوسط «الجزائر»، غير أن تحويل تلك القناعة إلى عمل ضمن شراكة يترافق فيها الاقتصاد مع السياسية يختلف من دولة لأخرى.
علاقات الدول الثلاث مع الجزائر في مجال الطاقة ليست سواء، ففي الحالة الإيطالية يسبق الاقتصاد السياسة، وفي الحالة الإسبانية، يسير الاقتصاد والسياسة معاً، وقد يسبق أحدهما الآخر طبقاً لتغير المعطيات والمصالح بين الدولتين، أما في الحالة الفرنسية، فدائماً تسبق السياسة -المرتبطة عادة بمواقف ذات أبعاد تاريخية- الاقتصاد، إلّا في مرات نادرة.
في الحالة الإيطالية يسبق الاقتصاد السياسة، وفي الحالة الإسبانية يسير معها، أما في الحالة الفرنسية، فالسياسة أولا
على خلفيّة ذلك، يمكن القول: إن إيطاليا تقدمت أشواطاً في علاقاتها مع الجزائر، ويصفها قادة البلدين وكذلك الخبراء بـ«العلاقة التاريخية»، في حين تمر العلاقات الإسبانية- الجزائرية باضطراب وتوتر يَشيَان بإعادة النظر في الاتفاقات والعقود المبرمة في مجال الغاز بما فيها مراجعة الأسعار على خلفية مواقف إسبانيا من قضايا مصيرية في المنطقة المغاربيَّة، وقد بدأت الجزائر بضغوطها على إسبانيا، وظهر تأثير ذلك جلياً في ردود الأفعال السياسية من أحزاب المعارضة في مدريد، وأيضاً على صعيد الجبهة الداخلية.
أما العلاقات الجزائرية- الفرنسية فهي تمر بواحدة من أسوأ مراحلها، بسبب مواقف غير محسوبة من قبل المسؤولين في باريس، وإن كانت فرنسا -خلال حملة الانتخابات الرئاسية- قد حاولت إعطاء دفعة جديدة لعلاقاتها مع الجزائر بعد الأزمة الدبلوماسية الخطيرة التي ضربت العلاقات الثنائية، غير أنها تبدو اليوم عاجزة بسبب غياب الانسجام في مواقف بعض المسؤولين الفرنسيين، وهو ما تسبب في خسارة باريس لكثير من الامتيازات التي كانت تتمتع بها في الجزائر.
هكذا إذن.. تبدو روما المستفيد الأكبر من علاقتها بالجزائر، نظراً لتعاملها مع هذه الأخيرة باعتبارها دولة محورية وقوة إقليمية في حوض البحر الأبيض المتوسط، وبالمقابل عجزت باريس ومدريد عن فهم دور ومكانة الجزائر، مما أثر على علاقتهما معها، وجعلهما يتراجعان مقارنة بروما.