الثلاثاء - 03 ديسمبر 2024
الثلاثاء - 03 ديسمبر 2024

الدفع بالروبل.. فكرة سيئة أم جيدة؟

تعرض الاقتصاد الروسي لأكبر سلسلة عقوبات عرفها التاريخ بأكثر من 5500 عقوبة، شملت القطط والكلاب والأحياء والأموات، راهن الغرب فيها على قوته الاقتصادية ونفوذه على بقية العالم ليعزل نظام فلاديمير بوتين اقتصادياً وسياسياً ويجعله منبوذاً، لعل ذلك يكسر شوكته للأبد أو يسقط من الداخل أو يتفكك الاتحاد الروسي برمته، فيتخلص من جار مزعج لديه طموحات قديمة، إلا أنه استثنى أهم رافد للميزانية الروسية، النفط والغاز.

هذا الاستثناء لحاجة أوروبا الشديدة لصادرات الطاقة الروسية، حيث تمثل الصادرات الروسية 40%؜ من مصادر الطاقة لأوروبا، استثناء يأتي في خِضم أزمة طاقة عالمية وارتفاع لأسعارها على أمل إيجاد بدائل سريعة يمكن أن تجعل أوروبا تستغني عن الغاز الروسي، أما روسيا فحاولت أن تثبت أنها مصدر طاقة موثوق حتى جاء قرار بوتين الصادم بدفع قيمة الغاز والنفط من قِبَل الدول التي أسماها بـ«غير الصديقة» بالروبل الروسي !

هبط الروبل الروسي مقابل الدولار لمستويات قياسية بسبب تأثير العقوبات الغربية جعلته يهبط إلى أقل من 1 سنت أمريكي، هذا الانهيار بأكثر من 75%؜ لم يستمر بعد قرار استيفاء عقود النفط والغاز بالعملة المحلية، حيث صعد وعاد سريعاً إلى مستوياته السابقة قبل اندلاع الحرب معوضاً خسائره.

لا نُغفل أن قرار الروبل فيه نَفَس من الكبرياء الروسي يظهر قوته وسيطرته لكسر غرور أوروبا

بين شد وجذب حتى هذه اللحظة في إصرار الكريملن على الدفع بالروبل ورفض أوروبا القرار، لماذا اتخذ بوتين هذا القرار وهل يمكن تطبيقه؟

القرار بالطبع جاء دعماً لقيمة العملة المحلية المنهارة وبالتأكيد كان تأثيره عليها سريعاً، لإجبار الغرب على التعامل مع البنوك والكيانات الروسية التي ستضطر أوروبا إلى شراء الروبل منها، ما يعني الالتفاف على العقوبات الغربية، ولكن يواجه تطبيق هذا القرار العديد من الصعوبات والسلبيات، أولها هو عدم توفر كميات كافية من الروبل لتغطية مشتريات النفط والغاز، وبالتالي يعني طباعته بشكل مضاعف، ثم توفره بكميات مهولة لتغطية الطلب، كما سيتسبب ذلك بهبوط في حيازة روسيا للعملات الأجنبية التي تحتاجها لدفع قيمة وارداتها وسداد ديونها ومستحقاتها، والناتج بعد بضعة سنوات سيكون هناك الكثير من الروبل في السوق مما ينتج عنه انهيار لقيمته، والقليل جداً من الدولار واليورو.

لا نُغفل أن هذا القرار فيه أيضاً نَفَس من الكبرياء الروسي يريد إظهار قوته وسيطرته وكسر غرور أوروبا، ليدخل الطرفان في نزاع يجمع بين الحاجة والكبرياء، روسيا تحتاج للمداخيل وأوروبا تحتاج للغاز، وإن لم يتنازل طرف أو يتفقا على حل وسط فكلاهما خاسر، وسيدخلان في دوامة طويلة الأمد.