الخميس - 21 نوفمبر 2024
الخميس - 21 نوفمبر 2024

العالم لا يثق بأبناء العمومة

ربما لم يُصدم العالم بشكل كبير من الأزمة الروسية - الأوكرانية، فتوجهات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإحياء روسيا العظمى معروفة مسبقاً، بالإضافة إلى حشده لشهور آلاف الجنود على حدوده الغربية متعذراً بأمنه القومي، ولم يُصدم أيضاً بحجم العقوبات الغربية التي طالت كل شيء حتى فاقت 5500 عقوبة خلال أيام، وما بين خدعة بوتين للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتأكيده أنه لن يجتاح أوكرانيا أبداً، والتسلط الغربي بفرض عقوبات تهدف لمحو النظام الروسي وتدميره.. هنا وقع المحظور وانمحت الثقة تماماً بين الطرفين.

روسيا وأوروبا أبناء عمومة، جذورهم وطوائفهم متداخلة، وكلاهما يدينان بالمسيحية، ورغم كل الصراعات على مر التاريخ فإن الطرفين يعودان في كل مرة للعمل معاً في نهاية المطاف، فلا يمكن لطرف تجاهل الآخر وقد تجاوز حجم التبادل التجاري بينهما 300 مليار يورو. تنوع بين الطاقة والغذاء والمواد الخام والتكنولوجيا، ولكن الفارق هنا أنهما لن يكونا وحيدين في هذا الصراع، فالعالم بأسره يشارك بطرق ولأهداف مختلفة، فحتى هذه اللحظة لا تزال الصين تقاوم الضغط الغربي ولم تُدِن التدخل الروسي، ودول كالبرازيل والهند لا تزال تتعامل مع روسيا تجارياً، ودولة كالتشيك بدأ تذمرها من العقوبات يصل إلى العلن.

بانكشاف مبادئ الغرب المصطنعة، ومصادرته واستباحته لأموال وممتلكات الروس دليل على أنه لا يمكن الاعتماد عليه

انعدام الثقة بين الطرفين سيمتد بلا شك إلى بقية العالم. روسيا التي تعاملت بغطرسة مع جارتها أوكرانيا، واستغلت حليفتها إيران واتفاقها النووي وسمحت لإسرائيل بسحقها في سوريا لا يمكن الوثوق بها، والغرب بانكشاف مبادئه المصطنعة، وسيطرته على المنظمات والهيئات والمؤسسات العالمية، ومصادرته واستباحته لأموال وممتلكات الروس لا يمكن الاعتماد عليه، وبالتالي لن يقف موقف المتفرج، فسيتحرك لضمان أمنه واقتصاده وتطوير منظوماته، والأهم إيجاد الصيغ والبدائل التي تحفظ حقه، خصوصاً مع صعود متوقع للصين كقطب جديد، لدرجة طفا على السطح نقاش حول ضرورة ووجوب تغيير مقر الأمم المتحدة !

يستاء العالم أكثر بأن الطرفين لم يراعيا تداعيات جائحة كورونا، ولا الارتفاع المتوقع لأسعار الطاقة، ولا مشاكل سلاسل الإمداد، وبالتالي أزمة تضخم خانقة تلوح في الأفق ليست بحاجة لهذا النوع من الصراع لتفاقمها، إذ فضلا مصلحتهما الكاملة ولم يقدم كل طرف جزءاً من التنازل لدرء هذه الأزمة أو حتى تقديم ما يضمن تأجليها، لذلك فالكل يتملص من الانحياز لأي طرف ويُطبق المثل الصيني الشهير في موقفه من الأزمة: «مَن علّق الجرس على رقبة النمر عليه أن يزيله بنفسه».

فهل ستزيد هذه المواقف من فجوة أبناء العمومة أم ستكون سبيلاً لتخفيف الحدة والرجوع إلى الواقع الذي يفرضه التاريخ والجغرافيا؟ سنرى.