يوماً بعد يوم أزداد قناعة بوجود أشخاص يعيشون بيننا بلا إحساس ولا ضمير ولا أدنى مستوى من الإنسانية. يحاولون الاستظراف على معاناة الآخرين، يتناولون النكات والتعليقات السخيفة في غير مواقعها وفي ظروف وأوقات غير مقبولة، ليكشفوا أنهم ليسوا سوى مجموعة من عديمي الإحساس.
منذ بداية الأزمة الأوكرانية - الروسية شرع البعض في إرسال رسائل واتساب حول جمال الأوكرانيات والتعليقات المتعلقة بالاستعداد لاستقبالهن في القريب العاجل، وغيرها من الرسائل التي تأتي في السياق ذاته، كأن الهم الوحيد لهؤلاء يكمن في مصير نساء أوكرانيا فقط لا غير، هذه الرسائل لا يمكن اعتبارها سوى رسائل مراهقة من أشخاص بلغوا من العمر عتياَ، لتكشف أن أصحابها ومن ساهم في إرسالها يحتاج إلى جرعة تنشيطية من الإنسانية ودروس في التعاطف مع باقي البشر بغض النظر عن العرق والجنسية والدين.
الغريب أن تلك الرسائل بدأت تأخذ منحنى مثيراً للاهتمام والغثيان في آنٍ واحد، بتعليق الكثيرين عليها معتبرين أنها نوع من الفكاهة والنكات القابلة للتداول، قد أتقبل على مضض أن يتداولها إنسان غير سوي، إنما عندما يتم تداولها على نطاق واسع من أشخاص يفترض بهم أن يكونوا عقلاء وعلى قدر من المسؤولية، فذلك دلالة على التفاهة العظيمة، التي أضحت عنواناً لكثير من الأشخاص الذين سقطوا سقوطاً مدوياُ في هذا الاختبار.
أتذكر كيف كانت اللقطات متحفظة في نشرات الأخبار، فلا صور ومشاهد للقتلى، ثم تدفق نشر كل يحدث من مجازر ومآسي
كثيراً ما أرى أن الإعلام ساهم بشكل عام في هذا السقوط الأخلاقي من خلال ما يبث في وسائل الإعلام المختلفة، أتذكر كيف كانت اللقطات متحفظة في نشرات الأخبار حيث لا تنشر صور ومشاهد القتلى، ثم بدأت بنشر ما يحدث من مجازر ومآسي وصور للقتلى حتى أصبحت هذه المشاهد غير مؤثرة، وتولدت لدينا مناعة غير مقبولة تجاه ما نشاهده ونصادفه من مآسي لتصبح معادلة مقلوبة لدى شريحة لا يستهان بها من البشر حول العالم.
ربما يحتاج الواحد منا في بعض الحالات للترفيه والضحك وإلقاء النكات، ولكن عندما تخرج عن السيطرة وتصبح على حساب مآسي الآخرين فلا تعتبر إلا قلة ذوق.