الأزمة الأوكرانية – الروسية أضافت إلى رصيدنا السياسي والإعلامي درسين أوليين في غاية الأهمية، الدرس الأول حول قوة الماكينة الإعلامية الغربية، والدرس الثاني هو أن عالماً متعدد الأقطاب قد يكون أفضل لنا جميعاً!
ماكينة البروباغندا الغربية
هل الغرب الليبرالي - الديمقراطي يمتلك آلة دعائية يمرر فيها أجندته؟
لقد شاهدنا في الأيام الأخيرة أمواج الهستيريا الدعائية المحمومة التي أثارها الإعلام الغربي وبالذات الأمريكي حول احتمالية حصول غزو روسي لأوكرانيا. الهستيريا تجاوزت كل حدود المعقول للدرجة التي دفعت أحد صناع القرار المعنيين، دميتري كوليبا، وزير خارجية أوكرانيا ذاتها لطلب التهدئة والتوقف عن الحديث المستمر عن احتلال بلاده.
الأمر لا يقتصر على الإعلام، إذ جولة على كثير من مراكز الأبحاث الجيوسياسية في واشنطن تكشف من بعدها أن هذه المراكز هي في الواقع أندية علاقات اجتماعية يتم فيها تسويق مصالح مختلفة، تحت غطاء القيام بكتابة ونشر أبحاث ودراسات علمية جادة.
وسائل الإعلام التقليدية ومراكز الأبحاث وشركات اللوبي في العالم الغربي تقوم بـ«بيزنس» معروف يقدم خدمات مدفوعة الثمن مسبقاً، والأفضلية تُمنح لمن يدفع السعر الأعلى
لكن هنا، ما هو ذنب صانع القرار في العالم العربي - وطبعاً الإنسان العادي - الذي قد يعتقد أن كل ما يُقال في الغرب حول روسيا وبوتين صحيح؟ والحديث لا يتركز على روسيا فحسب، بل لاحظوا أيضاً الهستيريا الأمريكية الحالية حول الصين وسياستها الخارجية وتأثيرها على مستقبل النظام الدولي! وهذا يقودنا للنقطة التالية أو بالأحرى الدرس الثاني الذي نتعلمه من الأزمة الأوكرانية.
عالم متعدد أقطاب قد يكون أفضل لنا
يمتلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حُلماً يراوده منذ سنوات طويلة، إنهاء السيطرة الأمريكية والغربية على النظام العالمي. السيطرة التي بدأت بعد انهيار الإمبراطورية التي كان يخدم في أجهزة استخباراتها يوماً ما (أقصد الاتحاد السوفييتي). بوتين لوحده لا يستطيع ذلك، كما أن ما تفعله روسيا على حدود أوكرانيا له علاقة مباشرة بأمنها القومي، أكثر من كونه جزءاً من خطة كبيرة متعمدة لتغيير شكل النظام الدولي، لكن تداعيات الأزمة قد تساهم في إعادة تشكيل عالمنا.
نحن بحاجة لنظام دولي متعدد الأقطاب ومستقر ومتوازن، بحيث لا تشعر فيه إحدى القوى الكبرى بأنها مُهددة في أمنها ونفوذها من قبل دولة كبرى أخرى
ما يهمنا هنا في الخليج هو هذه الموازين المتغيرة، فنحن من مصلحتنا في هذه اللحظة أن يخرج العالم من مرحلته الحالية، والتي تتصف بأنها مرحلة انتقالية غير واضحة المعالم، إلى بداية مرحلة جديدة أكثر توازناً وندية بين الكتلة الغربية (إذا جازت هذه التسمية) وبين كتلة الصين وروسيا (وبينهما قوى ولاعبون متنوعون).
المنطق الذي يحرك مصلحتنا كخليجيين بسيط، وهو في جوهره اقتصادي. أمريكا تقترب من الاكتفاء الذاتي في قطاع الطاقة بفضل النفط الصخري، وحين يبدأ استهلاك الطاقة في أوروبا واليابان بالانخفاض بسبب سياسات الحد من انخفاض الكربون، فمن ذا الذي سيشتري كل هذا النفط الخليجي؟
الجواب الصين (وبشكل أقل الهند). الصين هي أكبر مستورد للنفط في العالم واقتصادها لا تتحرك عجلاته بدون إمدادات النفط القادم من منطقتنا، وهي السوق الرئيسية الوحيدة التي سيتوسع استهلاكها النفطي لسنوات طويلة قادمة وأي انقطاع لصادرات الخليج من السوق، بسبب حرب أو ما شابه، سيكون باهظ الكلفة، ولو نظرنا لحصة الصين المتزايدة باستمرار من صادرات النفط الخليجي في السنوات الأخيرة، لأدركنا أن من مصلحتنا أن تحافظ بكين على قصة نموها الاقتصادي - سواء أكان ذلك يوافق رغبات واشنطن أم لا - ولكن لكي يتحقق هذا السيناريو، فنحن بحاجة لنظام دولي متعدد الأقطاب ومستقر ومتوازن، بحيث لا تشعر فيه إحدى القوى الكبرى بأنها مُهددة في أمنها ونفوذها من قبل دولة كبرى أخرى.