اليمن.. ماذا بعد

الصراخ على قدر الألم.. هكذا يمكن وصف حالة الحوثي بممارسته سياسة الهروب إلى الأمام، نتيجة التحركات القوية في تحرير مناطق استراتيجية، بداية من شبوة إلى جنوب مأرب. خسائرهم في الميدان، دفعتهم للبحث عن بدائل بإرسالهم صواريخ تستهدف المدنيين، بالتزامن مع استخدامهم كافة وسائلهم الدعائية لتهويل الموقف، رغم أنه لم ينتج عن بدائلهم ما يرجونه؛ بسبب قوة المنظومة الدفاعية الإماراتية، والتلاحم المجتمعي الكبير بين كافة الأطياف على أرضها، ليخيب مسعاهم، بل على النقيض من مأربهم تم وضعهم تحت دائرة الضوء مجدداً أمام الأمم المتحدة ومجلس الأمن، كما تمت مواجهتهم بقوة من قبل الجيش الإماراتي الذي سرعان ما دمر المنصات التي أُطلقت منها الصواريخ، ليمنح عملية تسريع تحرير المناطق الاستراتيجية، وآخرها منطقة حريب، دفعة معنوية قوية.

وبغض النظر عن التحليلات التي توالت عن أسباب قيام الحوثي بهذه الخطوة، والدور الإيراني من عدمه، يظهر للعيان- بعد توالي المندوبين الأمميين إليها، واختلاف تصريحاتهم وفشلهم جميعاً، مع محاولة بعضهم محاباة الحوثيين للجلوس على الطاولة- أن هذه الجماعة تستخدم مفتاح المفاوضات لوقف إطلاق النار بعد الهزائم الميدانية، لتقوم بانتهاك وقف إطلاق النار- مستمرة في ذلك- مستغلة الوقت لتعديل صفوفها من الداخل.

ماراثون المحادثات- التي دائماً ما تسعى له دول التحالف- طويل، فمن جنيف إلى الكويت التي استغرقت فيها المحادثات 100 يوم، ثم ستوكهولم التي اتفق الطرفان فيه على الانسحاب من مدينة «الحديدة»، وأن تعوضها قوات محلية تسميها الأمم المتحدة، لتنصدم بتلاعب الحوثي، وسرقة المساعدات الإنسانية، وتهريب الأسلحة، ونشر قوارب مفخخة وألغام بحرية، ما أثبت للعالم عدم جدوى وضع أي نوع من الثقة لما تقوله هذه الجماعة، التي لا تملك أي استراتيجية لبناء دولة، بل إنها تمضي في العيش وفق إطار المنظمات المسلحة غير النظامية، وفوق ذلك هي أداة في يد غيرها يستخدمها كما ومتى شاء، منتهكاً الأعراف الدولية كافةً، التي- للأسف- يستغلها الكثير من منظماتها لأغراض سياسية.

هم يدركون تماماً أن ليس لديهم قوة لتصدّر المشهد السياسي في اليمن، في حال كان هناك حل ديمقراطي، وأن «الإمامية» لن تعود، وحروبهم الستة شاهدة على ذلك، ومحاولتهم توزيع الكعكة مع الإصلاح، لم تُؤتِ ثمارها؛ لتنكشف مخططاتهم، فما الذي يدعون إليه سوى الحرب، وبقائهم كمنظومة عسكرية إرهابية مختبئة وسط تضاريس جبلية وعرة.

تحرير الأراضي في الميادين مع ثبات موقف دولي بعدم التهاون في الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبوها طوال الأعوام الماضية، سيجعلهم في موقف الرضوخ لقرارات مجلس الأمن التي لم ينصاعوا لها.

مصطفى الزرعوني - رئيس تحرير صحيفة الرؤية