الاحد - 24 نوفمبر 2024
الاحد - 24 نوفمبر 2024

أمريكا.. تحولات إمبراطورية

حتى منتصف القرن الـ20، كانت الولايات المتحدة نموذجاً مختلفاً عن الدول الإمبراطورية والاستعمارية القديمة، ومع اقتراب الحرب العالمية الأولى من نهايتها، أعلن الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون مبادئه الشهيرة، والتي تركز على حق الدول التي خضعت للاستعمار في نيل حريتها واستقلالها.

ألهمت هذه المبادئ الكثيرين حول العالم للمطالبة بالحرية، حدث ذلك في مصر تحديداً، حيث بدأ عدد من رموز الوطنية المصرية مطالبة بريطانيا عبر عصبة الأمم بالجلاء من مصر، كان بينهم سعد زغلول ولطفي السيد وعبدالعزيز فهمي وغيرهم، بل إن بعض أمراء الأسرة العلوية الحاكمة تحركوا في هذا الاتجاه، أبرزهم الأمير عمر طوسون، وهكذا انطلقت ثورة 1919، وصحيح أن ويلسون تخلى عن قادة الثورة المصرية فيما بعد، وانحاز إلى بريطانيا، لكن ظلّت مبادئه مصدر إلهام حقيقي للثورة المصرية.

بعد الحرب العالمية الثانية، قدمت الولايات المتحدة مشروع مارشال لإنقاذ أوروبا، التي خرجت مدمرة من الحرب، وحققت في ذلك نجاحاً كبيراً، تبدى بوضوح في اليابان وفي ألمانيا (الغربية)، بل وفي أثناء تلك الحرب العالمية، لم تجد الإدارة الأمريكية غضاضة في التحالف مع ستالين الشيوعي، لدرء المخاطر النازية عن أوروبا.


وفي منطقتنا العربية وجدناها تتدخل بحزم ضد حليفتيها بريطانيا وفرنسا ومعهما إسرائيل، إثر عدوانهم الثلاثي مجتمعين على مصر سنة 1956، صحيح أن نيكولاي بولجانين رئيس الوزراء السوفييتي وجه إنذاراً حاداً إلى إسرائيل، لكننا نعرف جيداً أن بريطانيا وفرنسا لم توقفا العدوان إلا بعد الضغط الأمريكي، إذاً ما الذي جرى وباتت الولايات المتحدة تتدخل عسكرياً وبعنف في دول وبلدان أخرى ليست عظمى، مثل فيتنام والعراق وأفغانستان والصومال، ونحن نرى النتائج المأساوية لتلك التدخلات.. تدمير مدن وتخريب مجتمعات وقتلى من المدنيين بعشرات الآلاف!


يبدو لي، أنه التحول من دولة كبرى طموحة بقيمها ومبادئها العامة، إلى إمبراطورية بكل ما تعنيه الكلمة، فمعظم الإمبراطوريات في التاريخ قامت على الغزو، واجتياح بلدان ومناطق بعينها وفق مقتضيات كل إمبراطورية، لفرض هيبتها وسطوتها بمختلف الأساليب، ناعمة وخشنة، سراً وعلناً، فأحياناً تكون مقتضيات العظمة والهيبة البطشَ بقوة وصلف حتى يصاب الجميع بالرعب، وحين تصل الإمبراطورية إلى هذه المرحلة، فإنها لا تخرج من معركة إلا وتدخل في أخرى قد تكون أشد وطأة من سابقاتها ولا تعنى بحليف أو صديق. تتبدل الأولويات ويتم تداول الحلفاء والتضحية بالأصدقاء، هكذا الحال عبر التاريخ قديماً وحديثاً، والولايات المتحدة الأمريكية ليست بدعاً بين الإمبراطوريات، لذا لا يجب أن نندهش كثيراً.