السبت - 23 نوفمبر 2024
السبت - 23 نوفمبر 2024

هاييتي والكوارث.. الموعد المتجدد

يوم 14 أغسطس الجاري، تعرَّضت جزيرة هاييتي الكاريبية لزلزال عنيف دمّر الجزء الشرقي منها، وتجاوز عدد ضحاياه 2200 قتيل، وهو عدد قليل جداً بالمقارنة مع زلزال عام 2010 الذي خلّف 200 ألف قتيل، إلا أن القرى والمدن أصابها هذه المرة دمار واسع النطاق خلال ثوانٍ قليلة، وكان الأسوأ من ذلك، أنه وقع في عزّ موسم الأمطار حيث أتت الأعاصير على ما تبقى من المباني والطرق والمحاصيل الزراعية.

وفي مثل هذه الظروف المأساوية، تواجه حملات الدعم والإنقاذ الدولية صعوبات بالغة للوصول إلى الأماكن المنكوبة، ويبقى الناس هناك بلا مغيث أو معين، وتحت تهديد اللصوص وتجّار الأزمات الذين تكتمل بهم هذه السيمفونية الحزينة.

ويحضرنا في هذه المناسبة الأليمة حادث اغتيال رئيس الجمهورية «جوفينيل مويس» في قصره على يد عصابة مجرمة في 7 يوليو الماضي، حتى أصبحت الجزيرة تبدو وكأنها قارب بلا ربّان تتقاذفه العواصف والأنواء في كل اتجاه.


وبالرغم من كثرة ما تتعرض له هاييتي من كوارث، فقد كانت تُعرف لقرون خلَت باسم «لؤلؤة جزر الأنديز الغربية» التي تضم كوبا وجامايكا وجمهورية الدومينيكان وبويرتوريكو.


وبعد أن اكتشفها كريستوف كولومبوس أصبحت مصدراً للثروة الفرنسيَّة مع الجزر الأخرى المنتجة للسكر في منطقة البحر الكاريبي، إلا أن القِيَم والمثل العليا التي نادت بها الثورة الفرنسية عام 1792 كالمساواة والأخوّة، وضعت حدّاً لعصور العبودية، وعندما حاول نابليون بونابرت إعادة العمل بنظام العبودية بعد 10 سنوات، تظاهر السكان ضدّه وتمكن جيشهم المحلي من طرد القوات الفرنسية، وفي عام 1804 أصبحت هاييتي أول جمهورية مستقلة في الأمريكتين الشمالية والجنوبية، بعد بضعة عقود من تأسيس الولايات المتحدة بدعم من المملكة الفرنسية.

هاييتي دولة غنية بثقافتها، وتضمُّ طبقة من القادة المفكرين الليبراليين ذوي التعليم العالي، وعرف شعبها كيف يحافظ على تقاليده وعاداته وطقوسه ذات الأصول الأفريقية، وهذا ما ألقى بظلال العزلة على الجزيرة.

وأدت الزيادة السكانية فيها إلى انخفاض مردودها الزراعي، والآن، لا يتوقف شبابها عن محاولات الهجرة إلى الولايات المتحدة أو كندا، ولعل من طوالع النحس بالنسبة لهم افتقار جزيرتهم إلى الموارد الطبيعية أو الموقع الاستراتيجي، ولهذا السبب تعاني من تجاهل الدول الغنية وعدم التنافس على مواردها، وأصبحت تحت رحمة حكامها الطغاة وعصابات الإجرام والتهريب وتجّار الأزمات، وهذا بخلاف ما حدث في الجزيرتين الجارتين «المارتينيك» و«غوادلوب» اللتين بقيتا تحت الحكم الفرنسي.