الجمعة - 22 نوفمبر 2024
الجمعة - 22 نوفمبر 2024

المؤهلون للتَّحليل

من حق أيّ إنسان أن يدلي بدلوه في أي حدث أو رأي، ومن حقه أن يستأنس بأيّ فكرة، وإنْ كانت غريبة أو بعيدة التحقق، لكن عليه أن يدرك حدود خبرته وقدراته المعرفية التي تمكِّنه من بلوغ الحقيقة، أو الاقتراب منها، وألا يجزم بأن رأيه صحيح وآراء الآخرين خاطئة، وأن يعترف بأن التخصص والخبرة ومعهما التجربة والمتابعة فقط هي من تؤهل المرء للانخراط في التحليل الموضوعي.

تكثُر التحليلات المتعلقة بالأحداث الدولية، خصوصاً تلك المتعلقة بعالمنا العربي، ويشرَّق المحللون فيها ويغرَّبون، ولا يبقى احتمال، مهما كان غريباً، لا يُطرح، خصوصاً في الأحداث المهمة، لكن أكثر التحليلات، يدلي بها غير المتخصصين، الذين يعتمدون على الأهواء والرغبات والتخيلات والمعلومات الظنية أو المبنية على أوهام.

معظم وسائل الإعلام في بلداننا، خصوصاً الناطقة باسم جماعات سياسية أو مصلحية، أو تابعة لدول لها مآرب ومطامع في منطقتنا، تفتح أبوابها لأغرب التحليلات وأكثرها ضحالة وهزالاً، دون أن تحترم أهل العقل والخبرة، وهم كُثر، أو تكترث لصدقيتها بين المتلقين. وسائل الإعلام الرصينة تفعل العكس، ونحن -المبتلين بالمتابعة والمقارنة- نرى ذلك بوضوح.

التحليلات الغربية، وإن كانت تستأنس بالآراء المنحازة والغاضبة أحياناً، لكنها لا تأتي إلا بآراء أهل الخبرة والتخصص والتجربة ذات العلاقة بالموضوع، الذين يوظفون خبراتهم ومعارفهم، لا أهواءهم ومخيلاتِهم، في تحليل الأحداث، والأهم في الأمر أن من لا دراية له بالموضوع المطروح، يمتنع عن الإدلاء برأي فيه.

هناك ثقافة سائدة في بعض المجتمعات تعتبر الاعتراف بعدم المعرفة في أي حقل عيباً، وقد استغلت البرامج الكوميدية في بعض البلدان، كالعراق، هذه الثقافة كمادة دسمة تُظهِر الناس وهم يتحدثون في أمور يفتقرون إلى معرفة أساسياتها، والهدف هو طبعاً إمتاع المشاهدين.

التحليل السياسي يحتاج إلى فهم عميق للعلاقات الدولية والمصالح المشتركة والمتضاربة بين الدول، وإلى متابعة دقيقة ودؤوبة للأحداث، ورؤية غير منحازة للسياسة الدولية، وعلى غير المتابعين وغير المتخصصين وعديمي التجربة ألا يورِّطوا أنفسهم في (تحليلات) هزلية، وإن كانت تعود عليهم بالنفع المادي.

لا يزال كثيرون يعتبرون وجود (المعادن) في البلدان المختلفة سبباً للتقارب أو التضارب في المصالح، وكأن العالم المعاصر يعتمد على (المعادن) فحسب! وكثيرون يفسرون الأحداث العالمية وكأنها تدور حول طريق الحرير الذي أصبح يمر في معظم دول العالم حسب (تحليلاتهم)!