السبت - 23 نوفمبر 2024
السبت - 23 نوفمبر 2024

أفغانستان وإثيوبيا.. تشابه المصير

في عام 2013، كنت مدعوّاً مع زميل ألماني لإلقاء سلسلة محاضرات في جامعات كابول وإسلام أباد، وتزامنت هذه الدعوة مع حلول الذكرى الخمسين لتوقيع معاهدة الصداقة الفرنسية - الألمانية.

تركّز اهتمامنا في تلك المحاضرات على توضيح الأسس والدوافع التي مكّنت دولتين جارتين خاضتا ضد بعضهما حربين عالميتين دمويتين، من بناء علاقات قويَّة تقوم على الثقة المتبادلة والتعاون النزيه.

ويُعزى هذا النجاح التاريخي لكل من الرئيس الفرنسي شارل ديغول والمستشار الألماني كونراد أديناور اللذين تمكَّنا من تشكيل «الثنائي الألماني-الفرنسي» الذي أصبح المحرك الأساسي لبناء الوحدة الأوروبية.


وكان الهدف الأساسي للمحاضرات التي قدمناها يتعلق بتوضيح الفكرة التي تفيد بأنه من الممكن لأفغانستان وباكستان أن تنجحا بالتغلب على خلافاتهما وخلق مساحة كافية لإحلال الثقة المتبادلة، وتغليب المصالح المشتركة.


ولننظر بالمقابل لأفغانستان وإثيوبيا اللتين تحتلان عناوين الأخبار العريضة لوسائل الإعلام، وهما دولتان قديمتان تمكنتا من تجميع شعوب وأقوام مختلفة على مدى القرون، وأصبحتا تشكلان معقلين جبليين حصينين يحميهما جنود شجعان قادرون على صدّ الغزاة والحفاظ على استقلالهما، ومع ذلك، فإنهما تتعرضان دون انقطاع لحروب محلية ضروس وأحداث ونزاعات إقليمية توحي بإمكان تفككهما وانهيارهما.

ونلاحظ من خلال التجارب التاريخية أن ضعف الإدارة المركزية للحكومات يدفع الشعوب إلى التمسك بالمزيد من المطالب المحلية أو الإقليمية من أجل تحقيق الحكم الذاتي أو حتى الهجوم عليها، وصحيح أن الدولتين تشكلان حصنين قويين ضد التدخل الأجنبي، إلا أنهما عاجزتان عن تعزيز الشعور بالانتماء الوطني والسمو به إلى ما فوق الانقسامات الإثنية أو الإقليمية.

وهذا يعني أن التحدي الرئيسي المشترك بينهما يكْمُن في الحاجة لتشكيل سلطة مركزية قوية مع الحفاظ على حقوق كافة الأقوام التي تستوطن البلدين والتوزيع العادل للموارد الوطنية، واحترام الخصوصيات والتقاليد القبلية.

ولا ننسى أن الوحدة الوطنية لدولة إيطاليا لم تتحقق إلا عام 1860، وأن وحدة ألمانيا لم تتكرّس إلا عام 1871، وكل منهما تمنح رعاياها مساحة واسعة من الاستقلال الذاتي والإقليمي، ودعنا ننظر أيضاً إلى بلجيكا وسويسرا، وهما دولتان تتألف كل منهما من اتحاد فيدرالي يضم شعوباً مختلفة الأصول والمشارب وتتمتع بسلطات مركزية تحددها الهويات اللغوية والثقافية، ويبدو كأن هاتين الدولتين تعملان على امتصاص الضغوط الناشئة عن الاختلافات العرقية والثقافية القائمة بين شعوب الدول المجاورة لهما، وهذه هي الظروف الإيجابية التي لا تحتكم إليها أفغانستان وإثيوبيا.