الجمعة - 22 نوفمبر 2024
الجمعة - 22 نوفمبر 2024

الدولة.. والأمة

كثيرون يخلطون بين الدولة والأمة، ويعتقدون أن الأمة تحتاج إلى دولة، والحقيقة أن المفهومين مختلفان، فالأمة يمكن أن تحيا دون دولة، بينما الدولة العصرية تخلق هوية مميزة لسكانها.

الدولة الحديثة نشأت في أواخر القرن الخامس عشر، بينما ظهرت فكرة الأمة بعدها بثلاثمئة سنة، ويرى بنديكت أندرسون في كتابه (الأمم المُتخيَّلة) أن: «فكرة الأمة ظهرت بسبب الطباعة»، بينما يرى أيرنست غلنر في كتابه (الأمم والقومية) أن: «السبب هو الثورة الصناعية التي تطلبت وجود طبقة متعلمة وأيدٍ عاملة متخصصة ونظام تعليمي معقد، يربط الناس اجتماعياً ويُخْرجُهم من محلياتهم».

ويرى غلنر أن ربط الثقافة بالدولة بات ضرورياً، فبينما كانت الثقافة «ضعيفة وعرضية، أصبحت الآن محتومة»، ويرى أنتوني سميث في كتابه (الهوية القومية) أن القومية هي «امتداد لفكرتي العرقية ومركزية القبيلة السابقتين للحداثة»، رغم أنه يعترف بحداثتها وأنها ظهرت كأيديولوجية قبل مئتي عام.


ويعتقد علماء السياسة بضرورة التمييز بين مصطلحي الدولة والأمة، فالدولة كيان إداري يقوم في بقعة جغرافية لها حدود معترف بها، وله قادة وجيش وشرطة وموارد وقوانين تفرض بالقوة، أما الأمة فهي كيان معنوي، ليس له حدود جغرافية ولا جيش ولا شرطة ولا قوانين ولا قادة، إنما هي شعور بالانتماء لمجموعة تشترك بمزايا معينة أهمها اللغة والثقافة والتاريخ.


حاملو لواء الأمة يقومون أحياناً بتأسيس مليشيات ويسيطرون على مناطق ويفرضون ضرائب، لكن هذه الأفعال تكون على حساب دولة أخرى، وقد يقود إلى تقسيمها وتأسيس دولة جديدة.

الدولة الحديثة أصبحت تشكِّل من سكانها أمة، حتى اندمج المصطلحان وأصبحا يشيران إلى (الدولة) فقط، ويرى العلماء أن الدولة هي التي تُنتِج الأمة، فخوان لينز وألِفْرَد ستيبان يقولان إن: «الرايخ الألماني كان نتاجاً لجهود بسمارك في بناء الدولة، وليس إنجازاً لدعاة القومية».

والشيء نفسه ينطبق على إيطاليا، حسب هانز أولريخ، إذ تعززت القومية كنتيجة لجهود كاميلو كافور في بناء الدولة، وليس نتيجة لنضال غاريبالدي ومازينو.

لا ينتَقِص من مكانة الأمة ألا تكون لها دولة، والأمة الراسخة تحيا في دول متعددة، ويمكن لمنتسبيها التمسك بدولهم والمحافظة على لغتهم وثقافتهم عبر التعليم والتَّواصل.

عشرات الأمم حافظت على هوياتها في دول متعددة، فالهند والصين وبريطانيا وإسبانيا وبلجيكا وبولندا تضم أمماً عديدة، بينما تتوزع الأمة العربية على 22 دولة.