ويمثل ذلك انتهاكاً صارخاً للمبادئ الأساسية للقانون الدولي المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، وهكذا تحولت منطقة البلقان إلى ساحة لاختبار الأساليب العسكرية الحديثة ضد دولة لا حول لها ولا طول، وشهد العالم عملية استبدال الآليات الشرعية التي تحكم العلاقات الدولية بما يسمى «النظام المبني على القواعد».
ولم يكن ما حدث أكثر من إجراء تعسفي تمت تغطيته بأكاذيب دعائية وترهات مغرضة تحدثت عن كارثة إنسانية يشهدها إقليم كوسوفو الذي يقع تحت الحكم الذاتي الصربي، فخلال 78 يوماً من حملة «الناتو»، سقط نحو 2000 قتيل، وشهدت عشرات المدن مظاهر الدمار بما فيها العاصمة بلغراد.
وأدى استخدام ذخائر اليورانيوم المنضّب إلى انتشار التلوث الإشعاعي في مساحات شاسعة من الأراضي، وارتفع معدل الإصابة بالسرطان، ولا يزال الناس يعانون منه حتى الآن بمن فيهم جنود قوة كوسوفو التي تم نشرها بعد انتهاء الحرب، وأدت هذه الحملة إلى نزوح أكثر من 200 ألف من سكان المنطقة، لم يتمكنوا من العودة إلى ديارهم حتى الآن لأسباب أمنية.
وتحت ستار عدوان «الناتو»، ارتكب مقاتلو «جيش تحرير كوسوفو» جرائم فظيعة مثل اختطاف الصرب للاتجار غير المشروع بأعضائهم البشرية، ولا يزال عدد كبير ممن اقترفوا هذه الجرائم طلقاء، ويمثل الهجوم المسلح لقوات «الناتو» على دولة يوغسلافيا ذات السيادة قبل أكثر من 20 عاماً، مأساة إنسانية لا تزال نتائجها الخطيرة ماثلة حتى الآن، وتقدم دروساً متعددة ومفيدة، وهذا ما يؤكده الانحراف الواضح في طريقة تسوية مشكلة كوسوفو ذاتها والذي يؤكد أن الفوضى والتعسف في استخدام القوة لا يشكلان العلاج الناجع لحل أي مشكلة، بل يسهمان في تعقيد المشاكل.
وحتى الآن، تظل مسؤولية حلف شمال الأطلسي عن الأضرار التي لحقت بالعلاقات الدولية بسبب الهجوم العسكري، مفتوحة، وصربيا دولة مركزية في غرب البلقان، واشترط الاتحاد الأوروبي انضمامها إلى حلف الناتو حتى يقبل عضويتها في الاتحاد الأوروبي، ويحدث هذا في وقت عبرت فيه العديد من الدول الغربية عن قلقها من تطور العلاقات بين بلغراد وكل من موسكو وبكين، إذ تنظر الصين إلى صربيا باعتبارها «المعقل الاستثماري» وبأنها الدولة التي ستتحقق في ظلها وحدة دول البلقان.