بدأت الأزمة الليبية في التعقيد والاستعصاء على الحل باستخدام جملة (الأطراف الليبية) في وصف الانقلاب المسلح الذي قادته التنظيمات الإرهابية في طرابلس اعتراضاً على نتائج البرلمان الليبي في 2014، وعلى خطوات الجيش الوطني الليبي المتزامنة وقتها في اتجاه القضاء على الإرهاب، ومع الترديد المتعمد والإلحاح الذي قادته الأبواق الإخوانية في مقدمتها الجزيرة القطرية، تم تصدير صورة ذهنية للعالم والليبيين على أن هذا الانقلاب الإرهابي المسلح هو نزاع بين طرفين متساويين في الشرعية.
ومما زاد الأمر سوءاً هو تأثر بعض القوى الدولية بهذا الوصف (الأطراف الليبية)، وتبنيها للوساطة والضغط على ممثلي المؤسسات الشرعية الليبية للقبول بالتفاوض في جنيف عام 2015، التي انعقدت بمساع دولية في اتجاه حل الأزمة أو إدارتها، وباستخدام تلك الجملة السحرية تمت المساواة بين المؤسسات الشرعية وبين قوى الأمر الواقع والابتزاز بالسلاح حتى وصلت أطماع هذه التنظيمات الآن إلى السعي لإلغاء هذه المؤسسات تماماً.
وكل يوم يمر من عمر الأزمة الليبية وتداعياتها بالغة الخطورة على ليبيا والمنطقة والعالم، يثبت أن هناك خللاً ما حدث متعلقاً بالخيارات والرهانات وطرق التعاطي معها ومع أبطالها الليبيين الخلصاء منهم وحاملي الجنسية الليبية ذوي الهوى الأجنبي، وفي مقدمتهم عناصر تنظيم الإخوان المنقلب على شرعية الصندوق الانتخابي.
وكلما ازدادت الأزمة تعقيداً زادت الإثباتات على صحة خيارات محور الاعتدال العربي، وفي القلب منها الخيارات المصرية والإماراتية الدولتان اللتان انحازتا منذ البداية للمؤسسات الشرعية الليبية المؤسّسة على خيارات واختيارات الشعب الليبي نفسه، إضافة إلى الانحياز للمبادئ العليا والرواسخ السياسية التي لا تعترف إلا بمؤسسات الدولة، ونادت مصر بدبلوماسيتها العريقة والإمارات بدبلوماسيتها المتزنة في كل المحافل الدولية بضرورة توصيف ما يحدث في ليبيا توصيفاً دقيقاً يفرق بين الدولة والميليشيات، ودعم المؤسسات الحكومية الشرعية المتمثلة في الجيش الوطني الليبي والبرلمان المنتخب كممثل شرعي ووحيد عن الليبيين، مع السعي لتفكيك الميليشيات ونزع سلاحها، والمساعدة في حصار هذا الانفلات المسلح الذي صنعته قطر وتركيا لضرب الاستقرار في المنطقة كلها
واليوم بات الطلب ملحاً أكثر مما مضى لضرورة دعم المؤسسة الشرعية المنتخبة الوحيدة، وحمايتها من محاولات الالتفاف عليها وإضعافها، وتحويل قبلتها إلى ما يخدم الأهداف والأطماع التوسعية في ليبيا.