على طريقة العالم النفسي سيجموند فرويد «اختيار السيئ تجنباً للأسوأ» يحصر تنظيم الإخوان الإرهابي خيارات الليبيين بطريقة مهندسة نفسيّاً بينه وبين داعش والقاعدة، وبين الخيارين يضيع أو يتأخر الخيار الوطني، الذي يمثل بديلاً شعبيّاً حقيقيّاً متناغماً مع التركيبة الليبية، لكن مع طول الفترة وارتفاع الثمن من الدم والاستقرار والأمن تحول التفكير فيه إلى رفاهية في ظل الثنائية القاتلة.
ولا يمنع في إطار الحبكة وإنضاج هذه الثنائية من تلاسن من وقت لآخر بين التنظيم الإرهابي الأم ومشتقاته من القاعدة وداعش وأنصار الشريعة ومجالس الشورى، وما إلى ذلك من تسميات أو خروج تنظيرات تؤسس لوجود خلافات عقدية بينها أو تكفيراً لأحد أعضاء التنظيم مثلاً، واستهدافه بعد أدائه لدوره وحان وقت اختفائه أو المزايدة بينها جميعاً من حين لآخر.
وليس من قبيل الصدفة ما تشهده مدن غرب ليبيا الآن، من إعلان ميليشياتها وتنظيماتها الرفض المسبق لما سينتج عن الملتقى السياسي الليبي في تونس ورفضها لتنفيذ قرارات اللجنة العسكرية الليبية، ومن يحركها أصلاً من قيادات التنظيم يجلس مساوماً على حصته من مستقبل ليبيا السياسي وثرواتها، مُندِّداً أمام الشاشات بالميليشيات والانفلات الأمني، بينما يستميت في الغرف المغلقة لحمايتها من الملاحقة القضائية.
لكن لا يعدو الأمر كونه مسرحية لرفع الحد الأقصى للمطالب الإخوانية المطروحة على موائد التفاوض وغرف المساومات، في إطار مشروعها السرطاني الأكبر الذي خُلق لتهديد المشروع العربي وإضعافه ورهن تحركاته برغبات المشروعات الدولية الأخرى، التي ترى فيه خطراً لا يجب أن يكتمل.
وتمتاز الحالة الليبية بجلاء الرؤية أكثر من أي بلد آخر في كشف العلاقة الرحمية الوطيدة بين تنظيم الإخوان الإرهابي وباقي التنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش، التي سعت قطر وتركيا على التنسيق بينها وصهرها في مشروع واحد يلاقي هوى من بعض القوى الدولية لأسباب يتعلق بعضها بصراعات النفوذ السياسي والاقتصادي، وتحديداً في ليبيا البلد الفارق في الجغرافيا والثروة والتاريخ.
العلاقة مُؤسَّسَة، إذن، منذ 2011، ومقسمة الأدوار ما بين جناح عسكري تمثله القاعدة وداعش للإخوان والذي سعى بمساعدات علنية قطرية وتركية لجلب قادتها من معظم بقاع الأرض إلى ليبيا ليلعب التنظيم بشكل عملي وغير مباشر دور، وجناحها السياسي تحت مظلة توفرها لهما حكومة السراج، الموصوفة بـ«المعترف بها دوليّاً».