الخميس - 26 ديسمبر 2024
الخميس - 26 ديسمبر 2024

فرنسا.. والإسلام السياسي

في عز الجدل الصاخب، الذي عاشته فرنسا أخيراً بين أحداث إرهابية، ودعوات لمقاطعات البضائع الفرنسية، واتهامات لفرنسا من أنها تمارس إسلاموفوبيا دولة ومؤسسات، بدا واضحاً أن السلطات الفرنسية دخلت في معركة كسر عظام مع الإسلام السياسي، والبعض وصفها بمعركة وجود واستمرار للجمهورية الفرنسية في شكلها الحالي.

لم يكن مفاجئاً أن تقود فرنسا المعركة الأيديولوجية مع الإسلام السياسي، لسبب بسيط، وهو أن نظامها العلماني لا يمكن أبداً أن يتأقلم مع ديناميكية الاستقطاب والتنصل التي تمارسها هذه المجموعات على شرائح واسعة من المجتمع الفرنسي، وهو ما وصفته السلطات الفرنسية بالانعزالية والتقوقع على الذات.

وعلى خلفية الأحداث الإرهابية التي ضربت، وتهدد بضرب فرنسا، قررت السلطات الفرنسية أخذ الثور من قرونه، فبالرغم من أن الرئيس إيمانويل ماكرون أراد طمأنة مسلمي العالم بأنه لم يشارك في استراتيجية الإساءة إلى رموزهم الدينية، فإن السياسة التي ينوي اتباعها في الداخل الفرنسي، سيكون عنوانها الأساسي ممارسة أقصى الضغوط على مكونات الإسلام السياسي في فرنسا، من جمعيات متهمة استخباراتياً بالتعاطف أو احتضان الخطاب الديني المتطرف، مروراً بمساجد مشكوك في هوية خطابها الديني، الذي تنشره في صفوف المسلمين، إلى التعامل بشكل أمني حازم مع إشكالية إبعاد الأشخاص المتطرفين إلى دولهم الأصلية.


واضح أن أبرز الرهانات الدبلوماسية الفرنسية حالياً، تكمن في محاولة إقناع الدول التي ينتمي إليها هؤلاء المتطرفون بقبول تسلمهم دون وضع أي عراقيل قانونية سياسية وأمنية لذلك، وهذه الاستراتيجية هي العنوان الأساسي للزيارات التي يقوم بها وزير الداخلية «جيرالد موسى دارمانان» إلى عواصم المغرب العربي.


الحرب الفرنسية على الإسلام السياسي تهدف إلى تجفيف البيئة التي تشجع وتحتضن الخطاب الديني المتطرف. وذلك عبر غلق باب فرنسا ومساجدها أمام أئمة قال عنهم إنهم يُصدَّرون إلى فرنسا بهدف نشر قناعات دينية لا علاقة لها بقلم الجمهورية.

لذلك هناك اعتقاد قوي في الأوساط الأمنية المتابعة لهذه الملفات، بأن مرحلة التواطؤ وغض الطرف باسم الحفاظ عن السلم المدني، قد ولت إلى الأبد، وأن فرنسا اختارت استراتيجية ملاحقة الخطاب المتطرف على أراضيها، وتضييق الخناق على شبكات إنتاجه وترويجه.