الخميس - 26 ديسمبر 2024
الخميس - 26 ديسمبر 2024

كوارث.. وملفات جيوسياسية

المفاوضات والوساطات السياسية قد تصل إلى طريق مسدود أو تسير بطيئاً لتقريب وجهات النظر وتبادل المصالح والمنافع، وربّما تأخذ زمناً طويلاً، حيث تنسى دول كثيرة اعتبارات عديدة وتمضي في خصومات خاسرة.

في زلزال أزمير في تركيا، انتقل الأثر في الجغرافيا المفتوحة بين البلدين المتنافسين في المنطقة على ملفات كثيرة تسببت بحروب في العقود الماضية، وتدفع اليوم إلى صفحات ساخنة ومظلمة من العلاقات، الضحايا سقطوا في تركيا وكذلك في الأراضي اليونانية، والكارثة الطبيعية لها أثر مشترك، وكانت علامة تفهم إيجابية أن أعلن وزيران يوناني وتركي استعدادهما للتعاون بعيداً عن ملفات الصراع من أجل مواجهة تداعيات الكارثة، واحتمال تكرارها أيضاً على خط زلزالي عميق وقديم.

العامل الجيوسياسي يحتاج إلى عناية كبيرة من الدول، إذ من السهل استغلاله في دفع الصراعات إلى أقصاها، لكن الحكمة تتطلب أن تجلس دائماً الدول ذات الصراعات على الجغرافيا وما فيها من ثروات لتأمل الصورة من جانب آخر.


هذا العامل الجغرافي قد يكون قدراً مشتركاً لجميع المتصارعين حين يعصف تسونامي من البحر بفعل زلزال، أو تهب عواصف قارية تدمر المساكن والمصالح، أو تهب موجات الجراد لتحصد المحاصيل ولا تعرف حدوداً لجغرافيا البلدان.


إنه ضرب من الأوهام التي يجري تسويقها بعناية ما نسمعه من معزوفات التلويح بالقوة بين تركيا المندفعة بعوامل تمكين جغرافي وعسكري، واليونان ذات الأهمية الاستراتيجية لحلف الناتو، إذ لا تحتمل إسطنبول ذات الملايين الـ25 أو أثينا عروس السياحة الأوروبية سقوط قنبلة واحدة، والدولتان تعيان المديات المتاحة لكليهما في المضي بالتصعيد، فلِمَ يكون هذا التجاهل لنقاط الالتقاء في العامل الجغرافي الذي تقرع الكوارث الطبيعية جرس أهميته لهاتين الدولتين أو لسواهما من دول تضيق بها الجغرافيا السياسية بحثاً عن سبل التفجير؟

العراق لديه عقدة كبيرة في البعد الجيوسياسي، تظهر وتختفي مع طبيعة الحكم الذي يصل إلى بغداد، ذلك أن الدول المحيطة بالعراق تتعامل معه في مصالح ومشكلات الجغرافيا بحسب نوع الحكم في بغداد، ومن هنا لا يمكن النظر إلى الصورة من خلال مظهرها السطحي الخارجي، ذلك أن ملفات العراق الجيوسياسية مرشحة لتشغل النصف الأول من هذا القرن، إذا لم تحدث مراجعات وتفاهمات واعية بين الدول لأهمية التعايش في الإقليم، الذي لا تفرق الكوارث الطبيعية بين جزء وآخر منه.