«كان بيت إبراهيم مفتوحاً لكل عابري السبيل والغادين، كل يوم كان يأتي البعض للشراب والزاد في بيت إبراهيم. حيث كان الخبز للجائع، والمكرمة للضيف، من أتى عرياناً وجد الستر في بيت إبراهيم، وبعد أخذ حاجته يبلغه إبراهيم عن الإله خالق الكون».
أستهل بهذه الفقرة من «أقوال اليهود» عن بيت النبي إبراهيم الذي يحمل اسمه العديد من مجموعات الحوار الديني في العالم منذ 20 عاماً، نجد صداها في القرآن الكريم في الحديث عن «ضيف إبراهيم» من الملائكة الذين أتوا إليه في هيئة بشرية ليبشروه بميلاد غلام له.
تحت هذه المظلة الإبراهيمية التي تحمل مسميات أخويّات أو اتحادات إبراهيم في الغرب تُجرى حوارات دينية مكثُفة لا يقتصر فيها الحضور على رجال الدين من اليهودية والمسيحية والإسلام، ولكن يشارك فيها من له أفق الانفتاح على الآخر، ويرغب في التعرف عليه عن قرب وبشكل مباشر، بعيداً عن صخب وزيف وغرض الآلة الإعلامية التي تسعى لتشويه وإذكاء الصراعات في العالم، ولا يمكن إجراء حوار ديني ثلاثي الأطراف دون حضور قوي للعنصر النسائي فيه.
إن ما يحدث في تلك اللقاءات هو تحقيق لمبدأ قرآني أصيل «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» (سورة آل عمران ــ الآية:64).
وقد ينظر البعض للهدف من هذه اللقاءات بتشكك، رغم أن الحوار الديني له خبرة ممتدة في تاريخ الحضارة الإسلامية كان يرعاه الخليفة أو الحاكم، بأن يدعو ممثلي الأديان الثلاثة للحوار حول الحقيقة الدينية بينهم، وازدهر هذا الأدب بشكل خاص في العصر الفاطمي أحد العصور الفكرية الذهبية في الحضارة الإسلامية بما يعرف باسم «أدب المجالس».
بينما يسعى الحوار الديني اليوم إلى تفهم الاختلاف في الأديان الإبراهيمية، وخلق تعايش سلمي في الغرب يقوم على التعددية الدينية، وأن تتعاون دور العبادة سوياً على الاحترام المتبادل والعيش المشترك. ولا شك أنه بفضل الرؤية المستنيرة استطاع هذا الحوار أن يخفف الاحتقان الديني، وأن يُسكت الأصوات المتطرفة، دون الحاجة إلى تواجد مكثف من الجهات الأمنية، اللهم إذا كانت إحداها مستهدفة كما حدث في مسجد نيوزيلاندا قبل عام، والاعتداءات والمضايقات المتكررة التي تتعرض لها أحياناً الطوائف اليهودية.
لقد شكلت أزمة اللاجئين ـ وأغلبهم من العرب المسلمين ـ تحديّاً كبيراً لاندماجهم في المجتمع الألماني، ولتحقيق اندماج حقيقي، تُعقد برامج يتعرف فيها اللاجئون الجدد على الأديان المتعايشة في ألمانيا، ولا شك أن أكثر اللقاءات أهمية هو لقاء العرب باليهود في أوروبا، ومن نافلة القول: إن هذه اللقاءات في معظمها تترك آثاراً طيبة على الطرفين، لقاءات وتعارف في النور تزيل غموض وشيطنة الآخر.