لا يختلف أحد من المتابعين لـ«الميديا الإسرائيلية»، التي تخاطب العرب عبر مواقع التواصل تجاه استخدامهم المكثّف وتوظيفهم للقرآن في مخاطبة جمهور المتابعين العرب، فهناك حالة غضب لهذا التوظيف لآيات القرآن في مخاطبتهم به.
يأتي مجمل هذا التوظيف لآيات بعينها تتنوع ما بين الآيات التي تحض على السلام والتعارف بين الشعوب، وبين الآيات التي تتناول بني إسرائيل في القرآن الكريم، حيث «تفضيل بني إسرائيل على العالمين» أو «فكرة الاختيار» من بين الشعوب لتوصيل رسالة الوحي الأولى في الكتب السماوية، ليرد عليهم الجمهور العربي بآيات أخرى من القرآن تذم بني إسرائيل واليهود وتذكرهم بعصيانهم لأنبيائهم.
ولم يقتصر ذلك الجدل العنيف على مواقع التواصل، بل امتد إلى قلب الفتاوي التي تناولت «اتفاق إبراهيم» سواء بالتحليل أو التحريم، إذ لا بد أن يكون القرآن حاضراً في أي سياق يهودي ــ إسلامي، ليثير أسئلة حول طبيعة خطاب اليهود في القرآن، وحول الآفاق «الهرمنوطيقية» التي يتيحها القرآن في نزاع مكثّف متشابك كالصراع العربي الإسرائيلي، الذي يقف فيه الجانب السياسي كقمة جبل الجليد لما هو أعمق بكثير.
اشتبك اليهود مع «الوحي القرآني» منذ نزوله اشتباكاً مباشراً، ليناً تارة (المرحلة المكيّة)، وعنيفاً تارة أخرى (المرحلة المدنية)، ولعل هذا ما يفسر لماذا يحتل الأدب الديني اليهودي المعروف بـ«الحاجادة» نصيباً غير هين من آيات وسور القرآن.
هذه القراءة الانتقائية التي يمارسها الطرفان: الإعلام الإسرائيلي الموجه للجمهور العربي، والرد عليه من قِبل الجمهور العربي، أو الفتاوي، تعكس اضطراباً واضحاً ومؤسفاً لدى الطرفين: الإسرائيلي والعربي المسلم، في التعاطي مع أخص مكوناته وهو القرآن، وهذا الاضطراب يعزى إلى جمود التعامل مع خطاب القرآن، ومحاولة إرهاب كل من حاول أن يفتح آفاقاً جديدة للتفسير كليّاً.
والسؤال هنا: هل القرآن في خطابه لليهود معادٍ للسامية؟ حاشا لله! بشهادة «أنجيلا نويفرت Angelika Neuwirth وهي عالمة دراسات قرآنية ذات اسم كبير في الغرب، وإلا لما لجأ اليهود أنفسهم لخطاب العرب به، البعض يرى هذا التوظيف الإسرائيلي براغماتياً بحتاً، وهي رؤية تحمل تبسيطاً مخلاً، فاليهودي يرى نفسه في القرآن في الآيات التي تتحدث عن «تفضيل اليهود»، والعربي المسلم يراه اليهودي اللئيم الغادر بالعهود، القاتل للأنبياء.
ليبقى سؤال القرآن عن اليهود متجدداً ومفتوحاً، حتى لا يظن أحد أن القرآن في صوته النقدي عن اليهود يخالف صوت كبار أنبياء إسرائيل في توجيه التقريع والنقد لإسرائيل الخاطئة، وانحرافاتها عن الشريعة، ولكن زاد القرآن في خطابه لبني إسرائيل بحمله رؤية مزدوجة لا تنتقص من «ذلك التفضيل» بل وتطالبهم دائماً بـ«تذكر» ذلك التفضيل، وهو ما ينسجم تماماً مع الدور المتعاظم لطقوس «التذكر» في الدين اليهودي، ولا تعكس رؤية القرآن لليهود إلا التواتر الحياتي الدائم بين الحرب والسلام.