السبت - 21 ديسمبر 2024
السبت - 21 ديسمبر 2024

«إبراهيم الخليل» سياسياً

مع توقيع اتفاق السلام الثلاثي «الإماراتي- البحريني وإسرائيل» المسمى الإبراهيمي، كما اقترحه السفير الأمريكي في إسرائيل، يتجدد الحديث عن مفهوم «السلام الإبراهيمي» أو كما صاغته العلوم السياسية «الكونفيدرالية الإبراهيمية»، وأعاده المختصون إلى تسعينيات القرن الماضي.

وهنا لي مآخذ على المختصين العرب لأنهم جاوزوا الصواب في إعادة الفكرة لتلك الحقبة، فبذرة الفكرة الإبراهيمية في التوظيف السياسي أول من أنبتها الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وتم تطويرها والعمل عليها من قبل علماء اللاهوت والسياسيين في التسعينيات، وما آخذه على الباحثين في العالم العربي أيضاً هو عدم التعامل بجدية مع طرح السادات حول «إبراهيم» كقائد روحي وميراثٍ مشتركٍ، والنظر إلى الفكرة الإبراهيمية نظرة ريبة، وتصورها كجزء من نظرية المؤامرة، دون فهمها لاهوتياً أولاً فهماً مستوفياً.

ومن خلال ردود الفعل على «اتفاق إبراهيم» من الطرفين الإسرائيلي والعربي، لي أن أعلق أولاً على ما رصده الجانب الإسرائيلي من حرب الفتاوى الدينية ما بين مؤيد ومعارض في مقال صدر عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، ينبّه فيه القيادة الإسرائيلية إلى أن تأخذ في اعتبارها الجانب الديني الإسلامي في التعاطي مع قيادات وشعوب دول الخليج العربي.

وهنا آخذ من محرري المقال وينتر وجزنسكي وأردُّ عليهما: فكلا الطرفين العربي والإسرائيلي محكوم بالقناعات الدينية، وإلا كيف نفسر مشاركة ناثان ياهو في «حلقة نقاش تلمودية» حول «إسماعيل» في التلمود عام 2018 منذ بدأت إشارات السلام الأولى مع دول الخليج العربي.

من هنا يكون السؤال عن حضور الدين في السياسة الحالية للشرق الأوسط الجديد أمراً مشروعاً وبديهياً لدى الطرفين، فهناك مساحات لا بأس بها يحققها الدين للتلاقي إذا ما ابتعد عن الرؤى الحادة المتطرفة.

لقد أشرت في المقال السابق إلى «خصوصية العلاقة بين العرب واليهود»، وما قصدته بهذه الخصوصية ليست فقط الصلات العرقية وكونهم أبناء عمومة، ولكن بالأحرى أن كليهما وهبه «الوحي» كياناً وهوية ومعنى ورؤية مستقبلية، إذا ما نظرنا إلى الحال التي كانت عليها كل من القبائل اليهودية والعربية ذات الأصل السامي في العالم القديم بجانب حضارات كُبرى وضخمة التكوين والتأثير، مثل: مصر القديمة وبابل وآشور التي تفاعل معها بنو إسرائيل واستطاعوا مواجهتها «برسالة الوحي ومفهوم الاختيار»، وهو تماماً ما حدث مع بني إسماعيل حسب التسمية التوراتية للقبائل العربية، «فالوحي» هو من شكَّلَ كيان هذه الجماعات، وجعلها تواجه وتسقط إمبراطورتي فارس وبيزنطة في زمن خاطف.

هذا الاتفاق، بهذا الاسم «إبراهيم» المكثّف الدلالة يجعل كلاًّ من العرب واليهود حسب اللاتينة contra mondum أي في مواجهة العالم والأمم الأخرى.