لم يكن أحد، ولا حتى الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، صغيرها وكبيرها، قد سمعوا من قبل، عن صاحب الصوت الذي ألقى كلمة شائنة، تقطر جهلاً، في الاجتماع التلفزيوني رام الله ـ بيروت، كذلك لم يكن أحد من متابعي الكلمات التي أُلقيت في الاجتماع، سيكترث لما يقوله ممثل فصيل لم يعد موجوداً، لولا أن هذا الأمين العام قد اختص دولة الإمارات الشقيقة، بعبارات مارقة، تنم عن استهتار بحياة الجالية الفلسطينية فيها، وبإرث من العطاء السخي المديد من جانب الإمارات.
فمن حيث المبدأ، لا قيمة لما يقوله رجل، لا علاقة له بالشعب الفلسطيني ولا بالفصائل، ولا حتى بالمخيمات الفلسطينية في سوريا، وإنما جيء به، لكي ينطق بالمسكوت عنه لدى عباس وبعض أتباعه، الراغبون في نسف علاقة الفلسطينيين الراسخة بالإمارات.
فما هو إذن سبب ردود الأفعال الشعبية الفلسطينية الغاضبة، على كلمة ألقاها شخص نكرة، باللهجة الدمشقية الدارجة، دون القدرة على شيء من الفصحى، بينما المتحدث غير ذي صفة وغير ذي دور؟
الجواب: إن الرجل قال ما قاله، في حضرة رئيس السلطة محمود عباس، وعلى مسمع من ممثلي الفصائل التي لا تجرؤ على مخالفته، فهؤلاء كانوا سيغضبون، وسيوقفون معين حامد، لو أن الفلسطينيين الذين دعاهم إلى إحداث الفوضى والاشتباك، ليسوا في الإمارات، وإنما في مدينة يافا أو بئر السبع، حيث يوجد المحتلون، أو في إسطنبول، حيث يوجد الراسخون في التطبيع والعلاقات الأمنية والعسكرية، أو في كاليفورنيا الأمريكية، أو في قطر، حيث الإرث التطبيعي واستطالاته الراهنة، أو حتى في رام الله حيث يرى الفلسطيني في وطنه، وبأم عينه، حجم الفساد والاستبداد والتواطؤ الأمني مع المحتلين.
فالحسبة، عند عباس ومن يطيعونه، تقضي بإزعاج الفلسطينيين في الإمارات تحديداً ودون سواها، بل دون أن تكون فلسطين هي الدافع الفعلي إلى هذه المقاصد، ودون أن يكون عباس قادراً على الفلاح في شيء، بحكم أن فاقد الشيء لا يعطيه.
على هذا الأساس، كانت الردود الشعبية الفلسطينية مستنكرة لما تفوّه به رجل لا يدري ماذا يجري، ولا لماذا انعقد هذا الاجتماع، ولا علاقة له بأي معادلة موصولة بحياة الشعب الفلسطيني، ولا حتى في سوريا نفسها!
فلو أن حامد، دعا الفلسطينيين في تركيا، مثلاً، إلى التمرد، لكان عباس وسائر مواليه وطائعيه، قد أوقفوه على الفور، وستكون عندئذٍ فرصتهم للادعاء بشيء من الفهم لمصالح الشعب الفلسطيني ولمعادلات الأمر الواقع، بل ويمكن في السياق، أن يوحي هؤلاء بأنهم قد بلغوا من الفطنة والعلم بالبعد الاجتماعي للسياسة، درجة التفريق بين حياة الناس في الأقطار الشقيقة، وسياسات الدول فيها، كما هي الحال في أقطار شقيقة عربية وإسلامية، لها سياساتها التي يتقبلها أو لا يتقبلها الوطنيون الفلسطينيون!
الجالية الفلسطينية في الإمارات، تنفست الصعداء، عندما بادر ناشطوها الاجتماعيون، إلى تأسيس نادٍ للصداقة الفلسطينية ـ الإماراتية، لكي يحموا مصالح أسرهم من تداعيات السجالات السياسة، والكيديات المفتعلة، ومحاولات الاصطياد في المياه العكرة، وسرعان ما سُمع جواب مسؤولي الإمارات، كرجع الصدى، تأصيلاً لعلاقة المحبة الفلسطينية الإماراتية الراسخة.
في الحقيقة كان لا بد من خطوة تأسيس النادي، قبل أن ينجح الموتورون في خلط الحابل بالنابل، وقبل أن يتمكنوا من إفساد علاقة متميزة بين الفلسطينيين وأشقائهم في الإمارات، ذلك علماً بأن هذه العلاقة لم تكن في حاجة إلى أندية تؤكد الوشائج الكثيرة التي تربط الفلسطينيين بالإمارات، شعباً ومسؤولين، حيث لا يختلف اثنان، على أن محبة المقيمين عموماً، سواء كانوا من الوافدين العرب، أو من الفلسطينيين حصراً، للمغفور له بإذن الله، الشيخ زايد، مؤسس الدولة، قد ظلت على مر العقود، أكثر من كافية للحفاظ على الوئام والمحبة والتعاضد والتراحم.
لذا، على الرغم من أهمية نادي الصداقة، إلا أن وظيفته لا تؤسس للإخوة مع الأشقاء في الإمارات، وإنما تعبر عن استمرار رسوخ المحبة والأخوة القديمتين، التي يحاول الموتورون والجهلة والتابعون، طمسها وإنكار تجلياتها، والشوشرة عليها.
لعل من محاسن مقاديرنا الفلسطينية في هذه المرحلة العسيرة، أن الإنسان الفلسطيني المثابر على عمله ورزقة وعلى ضمان مستقبل أبنائه، لم يعد قابلاً للوقوع في أفخاخ الخديعة، فهو على قناعة تامة، بأن الموتورين والفاسدين لن يغيثوا أسرة فلسطينية واحدة عالقة، ولن يُطعموا طفلاً يحتاج إلى الغذاء، بل إنهم يقطعون الغذاء عن الأطفال.
إن هذا الدرس ما يزال جارياً حتى اللحظة، إذ لم يتخلَ أهل الحكم والسياسة عن الناس وحسب، وإنما لا يزالون يخصمون من مقدراتهم لمصالح أبنائهم وأصفيائهم.
إن هذا الوعي، هو حجر الأساس للرؤية السديدة التي تحمي أخوة الفلسطينيين ومحبتهم للإمارات، واعتزازهم بالمناقب الكثيرة، وبالإرث الكبير المختزن في الذاكرة، والمشهود في الأيام الراهنة.