الثلاثاء - 26 نوفمبر 2024
الثلاثاء - 26 نوفمبر 2024

فلسطينيون في مهب الريح

شاهدت خلال الأيام الماضية العديد من الفيديوهات على سوشيال ميديا، كان المتحدثون فيها من الشباب الفلسطيني، وكان موضوع الفيديو هو التعليق على ما جاء على لسان قيادات الفصائل الفلسطينية في اجتماعهم الأخير، استبشرت خيراً بتلك المقاطع، لسبب واحد وبسيط، وهو أننا أخيراً أصبحنا نسمع صوت الشباب الفلسطيني المستقل والعقلاني بدون خوف أو ضغوط من أحد.

منذ أكثر من 70 عاماً يعيش أغلب الفلسطينيين في حالة مؤسفة بسبب الاحتلال الإسرائيلي لأراضيهم وبسبب الأوضاع غير المستقرة في مدنهم وقراهم داخل فلسطين، أما الفلسطينيون الذين خرجوا من فلسطين لاجئين في دول أخرى أو مهاجرين فهم مثل مَن هم في الداخل يعيشون الخوف من الحاضر الصعب والمستقبل المجهول.. وهذا حال من احتل وطنه.

حديثُنا هذا عن الشعب الفلسطيني العزيز وليس القيادات، الشعب الذي قدم التضحيات طوال عقود ماضية وقدم الشهداء لدرجة وصلت فيها أم الشهيد الفلسطيني لأن تقيم عرساً عند استشهاد أحد أبنائها، كيف لا وهو الذي ضحى بروحه ودمه من أجل تراب وطنه ومن أجل القدس ومن أجل المسجد الأقصى، مشهد المواجهة والاستشهاد لم يختفِ من أمام أعيننا طوال حياتنا منذ خُلقنا على هذه الأرض إلى اليوم، لكن السؤال: من الذي كان يضحي ومن الذي كان يستشهد ومن الذي كان يحب فلسطين وتراب فلسطين؟


الإجابة عرفها العرب والمسلمون مؤخراً، وهي الشعب الفلسطيني وليس القيادة الفلسطينية، بل الحقيقة الأكبر التي عرفها الجميع أن القيادات الفلسطينية هي التي استغلت الفلسطينيين والقضية الفلسطينية من أجل مصالحها الشخصية والخاصة منذ بداية الاحتلال، والحقيقة أيضاً أن سبب ضياع القضية هي القيادات الفلسطينية التي أدارت بشكل سيئ هذا الملف، فلم تنجح في استعادة شبر واحد من أرض فلسطين المحتلة، وبذلك استفاد أشخاص من هذه القضية. أما الشعب فبقي يعيش أحلام التحرر وعودة الأرض واللاجئين، بينما تُوقع قيادتُه معاهدات السلام الواحدة تلو الأخرى وتتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني، والشعبُ مشغول بالمقاومة وبمد جذوره أكثر وأكثر في أرضه دون أن يعلم أن من يُسمعَه شعاراتِ التحرر والعودة والانتصار كلَّ يوم.. هو من باع كل شيء!


المؤسف أن تلك القيادة القديمة والمتقادمة لم تكتفِ بإيذاء الشعب الفلسطيني في الداخل بل أصبحت اليوم تحاول أن تؤذي الفلسطينيين في الخارج وفي دول الخليج بالتحديد، فهؤلاء الذين يعيشون الغربة والاغتراب ويسعون في رزقهم ليعيشوا حياة كريمة ويعينوا أُسرَهم في الداخل - التي لا تهتم بها السلطة الفلسطينية أو الفصائل الفلسطينية - لدرجة أن بعضهم أصبح مصدر الدخل الوحيد ليصرف على أهله، تأتي تلك القيادات لتهدد حياتهم واستقرارهم ومصادر رزقهم بتصريحات غوغائية دون أن تكترث بهم ولا بمستقبلهم، ليكونوا في مهب الريح ويتحملوا ذنب من لا يهمه أمرهم!

ألا تكتفي هذه القيادة التي فشلت في تجديد نفسها بأنها وضعت الفلسطينيين في الداخل في مهب الريح، بلا مستقبل وبلا أمن ولا استقرار، حتى تضيف إليهم مئاتِ الآلاف في الخارج؟!

أخيراً متى تستمع القيادة الفلسطينية القديمة إلى أصوات الشباب الفلسطيني في الداخل والخارج؟ ومتى تتوقف عن تخوين وتخويف كل من يخالفها الرأي وتسمح لهم بأن يعبروا عن رأيهم في قضيتهم ومستقبل وطنهم بكل حرية دون خوف من السيف المسلَّط على رقابهم إذا خالفوا القدماء في الرأي!